كل يوم تأخير في ولادة الحكومة يضاعف من مخاطر الوصول الى الارتطام الكبير وتداعياته الكارثية، في ظل مخاوف حقيقية من أن تسبق التطورات الدراماتيكية عملية التوافق فتطيح بالحكومة أو تحصرها في معالجة نتائج التوترات الأمنية بدل أن تركز عملها على وقف الانهيار الذي يمنع الفوضى والعبث الأمني، ويعيد الانتظام العام الذي من شأنه أن يؤسس الى إجراء الانتخابات النيابية.
في الوقت الذي بدأت فيه البلدات العكارية إستقبال جثامين شهداء إنفجار التليل وسط حالة من الغضب غير المسبوق، ومطالبة الأجهزة الأمنية والقضائية بالعمل سريعا على تحديد المسؤوليات وكشف الحقائق لكي ينال كل من يثبت تورطه القصاص العادل، يبدو أن التفلت الأمني الناتج عن الأزمة الاجتماعية الكارثية بات الخبز اليومي في حياة اللبنانيين الذين باتوا يضعون دماءهم على أكفهم خلال سعيهم الى تأمين مستلزمات عيشهم، في مشاهد لا تختلف كثيرا عن تلك التي خبروها خلال الحرب الأهلية البغيضة.
يمكن القول، إن الدولة اللبنانية بكامل مؤسساتها باتت خارج الخدمة، وبالتالي فإن الشارع بات مرتعا لقوى الأمر الواقع التي بالرغم من الامكانات المعدومة يحاول الجيش اللبناني وبعض القوى الأمنية ضبطها بأضعف الايمان، ما يجعل المخاطر تحيط بالمواطنين على محطات المحروقات التي تحولت الى ما يشبه مغارة علي بابا مع تصفية مصرف لبنان أموال الدعم، وعمليات الإحتكار والتخزين من أجل التهريب أو البيع بأسعار خيالية والذي يجعل من كل المناطق قنابل موقوته أو جهنم متنقلة على غرار ما حصل في بلدة التيليل العكارية. والأمر نفسه ينحسب على الأفران حيث بدأ التلاعب بلقمة عيش الفقير بإدخال الرغيف الى السوق السوداء التي يبدو أنها تتمدد بشكل واسع لاستيعاب أكثرية المواد الرئيسية التي تعجز الدولة عن تأمينها، لا سيما على صعيد الدواء والاستشفاء والكهرباء ما يشير الى حالة تفكك تهدد البلاد بطولها وعرضها بالوصول الى نماذج من العنف الذي لن يوفر أحدا.
لم يعد أحد من اللبنانيين يأمن على نفسه وعائلته لا في الشارع ولا في العمل إن وجد في ظل تمدد البطالة بشكل أفقي، ولا في المنزل، فالاشكالات والاشتباكات المسلحة تغزو المناطق والأحياء، فيما الاعتداءات تترجم على كل صعيد بدءا بالسطو المسلح وأعمال التشليح، وصولا الى العراك والتضارب وإستخدام السلاح الأبيض وإطلاق النار في الهواء على مدار الساعة وهذا بات مشهدا مألوفا في الشوارع.
كل ذلك، يجعل البلاد أمام مخاطر الانزلاق الحقيقي نحو شريعة غاب تترجم بحرب شوارع لا تبقي ولا تذر، إذا لم يتم الاسراع في تشكيل حكومة تضع حدا لهذا الانهيار والفلتان على كل صعيد.
تشير المعلومات المتوفرة الى أن الأمور على الصعيد الحكومي ليست سلبية بالشكل الذي حاول البعض تصويرها، خصوصا أن تشكيل الحكومة في لبنان يخضع لمعادلات صعبة جدا سياسيا وطائفيا ومذهبيا وحزبيا وعلى مستويات الخبرة والكفاءة، وبالتالي فإن الأمور لم تعد الى المربع الأول أو الى نقطة الصفر، بل هي ما تزال في مرحلتها الأخيرة المتعلقة بإسقاط الأسماء على الحقائب، وبالتالي فإن ما يحصل من عدم توافق ومن محاولات كل فريق طرح أسماء أو رفض ووضع فيتو على أخرى هو أمر طبيعي.
لا شك في أن الرئيس نجيب ميقاتي يسعى في هذا الوضع الاستثنائي الى تشكيل حكومة إستثنائية، وهو قبِل التكليف على أن يعمل وفق هذا الأساس، ويسعى الى إختيار الوزير المناسب للحقيبة المناسبة نظرا لحساسية الوضع، وذلك بهدف تشكيل فريق وزاري متخصص متجانس قادر على وقف الانهيار وإنقاذ البلد، وبالتالي، فإن الصيغ التي كانت تتبع في تشكيل الحكومات السابقة تتعارض بشكل كلي مع توجهات الرئيس المكلف الذي لا يطلب شيئا لنفسه، ويحرص على التعاون والتنسيق مع الجميع.. فهل يعي العهد خطورة المرحلة ويستفيد من فرصة الانقاذ الأخيرة بتسهيل المهمة الميقاتية، أم أنه سيمعن في قيادة البلاد الى الجحيم؟؟.
مواضيع ذات صلة: