طالما أن اللقاءات الستة التي عُقدت خلال الاسبوعين الماضيين بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي لم تفض الى نتائج إيجابية على صعيد تسريع ولادة الحكومة، فذلك يشير الى أن عملية التأليف خضعت منذ اليوم الأول للشروط والمطالب التي يبدو أن أصحابها يصمّون آذانهم عن معاناة وآلام اللبنانيين ولا يسمعون سوى صوت مصلحتهم في الحصول على الوزارات السيادية والخدماتية الوازنة.
لم يقبل الرئيس ميقاتي بتكليفه تشكيل الحكومة من أجل الدخول في محاور سياسية أو من أجل تصفية حسابات شخصية أو تنفيذ أجندات أو تسجيل نقاط هنا وهناك أو لوضع ورقة التكليف في جيبه لأشهر عدة، فمن يعرف الرجل عن كثب، يُدرك أنه لا يرضى بأن تكون حقائب حكومته عبارة عن هدايا لتيارات سياسية معنية أو لفريق العهد للاستفادة منها في الانتخابات النيابية، كما لا يرضى بأن يتحمل مسؤولية فشل خيارات البعض في التشكيلة الحكومية، لأن هذا الفشل سيُنسب الى حكومته وليس الى وزير أو آخر محسوب على هذا الفريق أو ذاك، وهذا ما لا يقبل به ولا يحسبه على نفسه.
بات معلوما، أن الدعم الدولي الذي توفر للرئيس ميقاتي والضمانات بتقديم المساعدات على كل صعيد، وقبوله بالتالي لحمل كرة النار، كان من أجل تشكيل حكومة “مهمة” من إختصاصيين غير حزبيين تكون قادرة على وقف الانهيار وتشكل صدى إيجابيا للداخل اللبناني وتستعيد ثقة الخارج، وتعيد التواصل مع الأشقاء العرب، ما يمكنها من الانطلاق في عملية الانقاذ المترافقة مع بعض الاصلاحات المطلوبة، وصولا الى إجراء الانتخابات النيابية التي ينتظرها الجميع بفارغ صبر كونها ستعيد تكوين السلطة من جديد.
حتى الآن، يبدو أن كل ما يُطرح من مطالب وشروط يختلف تماما مع الأهداف التي رسمها ميقاتي لحكومته، وهو صحيح لم يُلزم نفسه بمهلة محددة، لكنه أكد في الوقت نفسه أن “المهلة غير مفتوحة”، ما يعني أن الرجل الذي يحرص على إشاعة الأجواء الايجابية بهدف تدوير الزوايا والوصول الى قواسم مشتركة يمكن التوافق عليها لتشكيل حكومة، يُصرّ على أن يشكل فريقا وزاريا إختصاصيا متجانسا قادرا على وقف الانهيار والانقاذ، فإما أن يتلقف العهد وفريقه وتياره هذه الفرصة التي يتطلع إليها اللبنانيون كآخر أمل لهم في وطنهم، وإلا فإن الأمور ستصل الى الطريق المسدود ما يعني أن لا حكومة في أفق هذا العهد.
اللافت أن أصواتا برتقالية بدأت تشيع أجواءً غير مبررة في هذا التوقيت بأن المشكلة التي تواجه الرئيس ميقاتي هو إلتزامه بتوجهات نادي رؤساء الحكومات ودار الفتوى، في حين يكاد لا يخفى على أحد في لبنان أن ميقاتي لطالما شكل خط الدفاع الأول عن إتفاق الطائف وثوابته، ولطالما كان أكثر الملتزمين بالدستور، وبالتالي فإن الثوابت التي يلتزم بها ميقاتي هي فقط المواد الدستورية التي تؤكد أن “الرئيس المكلف يشكل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية”، وهذا ما يحرص على القيام به اليوم، وكل شيء غير ذلك، أو تجاوز للصلاحيات أو ضرب للدستور، أو إستهداف للموقع السني الأول، هو غير موجود في قاموس “الميقاتية السياسية”..
مواضيع ذات صلة: