تهب رياح الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة العتيدة بعد تجربتين خاضهما كل من السفير الدكتور مصطفى أديب، والرئيس سعد الحريري لم يوفقا خلالهما في أن يصلا الى توافق مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ليتمدد الفراغ الحكومي الذي يبلغ الشهر المقبل سنته الأولى في ظل أزمات تتوالد ومآسي تتنامى من دون أن يحرك أحد من المعنيين ساكنا لايجاد الحلول والمعالجات ولو بأضعف الايمان.
بعد إعتذار الرئيس الحريري من الطبيعي أن يُطرح إسم الرئيس ميقاتي وأن يتقدم على سائر الأسماء المطروحة، ومن الطبيعي أيضا أن تسارع أكثرية الأطراف السياسية الى تبني تسميته، حيث لا يختلف إثنان على أن للرجل حضور سياسي ـ وطني وزان، وتمثيل سني واسع، ويحظى بإحترام دولي ويعطي وجوده على رأس السلطة التنفيذية ثقة يحتاجها لبنان اليوم، فضلا عن أنه خاض تجربتين حكوميتين، في الأولى، نقل ميقاتي لبنان من ضفة الى ضفة من خلال إشراف حكومته على الانتخابات النيابية في العام 2005 بعد زلزال إستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وهي نالت مباركة وثقة الداخل والخارج لما تميزت به من ديمقرطية ونزاهة وشفافية، والثانية عندما رضيَ بحمل كرة النار في العام 2011، في ذروة الصراع السني ـ الشيعي في لبنان وعشية إنطلاق ثورات الربيع العربي، حيث إعتمد شعار “النأي بالنفس” الذي حمى البلاد من صراعات الداخل ومن تداعيات ثورات الخارج، وجوبه بحرب شعواء، قبل أن يتحول هذا الشعار الى حكمة وطنية إلتزمت فيها كل الحكومات المتعاقبة على مدار عشر سنوات حيث حل “النأي بالنفس” ضيفا على كل بياناتها الوزراية.
يمكن القول، إن الرئيس ميقاتي “عايز ومستغني”، وهو ليس “طالب ولاية”، بل يُنظر إليه اليوم كشخصية وسطية قادرة على التعاطي مع كل المكونات السياسية تحت سقف الدستور، لوضع حد للانهيار الحاصل والبدء بالاصلاحات تمهيدا لانطلاق عملية الانقاذ، لذلك فهو لا ينتظر تسميته من قبل الكتل النيابية، بقدر ما تنتظر التيارات السياسية أن يقبل هذا التكليف الذي سيكون بموجب شروط تساعد على الاسراع في التأليف خصوصا أن أحدا لم يعد يمتلك ترف الوقت.
خلال الفترة الماضية شكل الرئيس ميقاتي خط الدفاع الأول عن الدستور وإتفاق الطائف والصلاحيات ومبدأ فصل السلطات، لذلك، فإنه يُعتبر الأكثر تشددا في الالتزام بالدستور الذي يحدد صلاحيات رئيس الحكومة وصلاحيات رئيس الجمهورية بشكل واضح من دون أي لبس أو تأويل، ما يقطع الطريق على أي خلاف يمكن أن يحصل في هذا الخصوص، وعلى بعض الأعراف التي يحاول فريق العهد فرضها بالممارسة.
لذلك فإن الثلث المعطل غير موجود في قاموس ميقاتي وكذلك حصر التسميات لوزراء مسلمين أو مسيحيين بأطراف معينة، كما أنه لن يأتي على رأس حكومة إنتقالية، ولن يكون بدلا عن ضائع، بل في حال قبل بالتكليف وتذللت العقبات الداخلية والاقليمية والدولية أمامه فإنه سيكون رئيسا لحكومة كاملة الأوصاف والصلاحيات، تسعى الى إستعادة الثقة بلبنان وتفتح صفحة جديدة مع الدول العربية، وتسعى مع الجهات المانحة للبدء في معالجة الأزمات التي تراكمت بفعل الفراغ الحكومي القائم منذ آب الفائت.
لا شك في أن عهد الرئيس ميشال عون لم يعد لديه الكثير من الخيارات، فالفشل الذي راكمه منذ بدايته يجعله يحتاج الى عملية “تعويم” سريعة عله يستطيع تحسين صورته في الأشهر الأخيرة من ولايته، وهذا “التعويم” لا يمكن أن يحصل إلا بحكومة قادرة على الحدّ من الانهيار، وبالتالي فإن تبديل السلوك العوني مع الرئيس ميقاتي في حال قبل بالتكليف سيقابله ميقاتي بكثير من التعاون وحسن النية، بما يساعد على ولادة الحكومة بشكل سريع، أما في حال إستمر تضييع الوقت بوضع العصي في دواليب قطار التأليف وفي محاولات اللف والدوران للحصول على ثلث معطل صريح أو مقنع، وإستهداف موقع الرئاسة الثالثة وصلاحياتها، فإن الأمور ستعود الى نقطة الصفر، خصوصا أن من يعرف الرئيس ميقاتي يدرك بأنه غير مستعد للتفريط بالطائف ولا بالصلاحيات ولا بالموقع السني الأول ولا بصورة لبنان من أجل أي منصب.
ترى مصادر سياسية مواكبة أن “العهد لم يتوان عن المساهمة في إفشال مهمة الدكتور مصطفى أديب، وهو عمل كل ما بوسعه من أجل إحراج الرئيس الحريري لاخراجه، واليوم يقف أمام مفترق طرق، فإما أن يسعى الى إستمالة ميقاتي للتكليف والتأليف معا، أو فإن فشله في ذلك سيفتح عليه وعلى اللبنانيين أبواب جهنم!..
مواضيع ذات صلة: