شكلت مقررات المجلس الأعلى للدفاع بما فيها كلام رئيس الجمهورية ميشال عون خيبة أمل ليست الأولى للبنانيين الذين باتوا على قناعة بأن السلطة السياسية تعيش في كوكب آخر، وربما لم تسمع بعد بأنين أطفالهم طلبا للحليب، وبأوجاع مرضاهم طلبا للدواء، كما لم تتنبه للدولار الذي يحرق جيوب الناس ويدخلهم جماعات وفرادى في نادي الفقراء، ولم تشعر بصفوف الذل التي تقف أمام محطات المحروقات من أجل قلة من البنزين، ولم تنظر الى العتمة التي تجتاح البلاد بطولها وعرضها بعد أن أطفأت مولدات الاشتراكات محركاتها بفعل فقدان مادة المازوت.
بدا واضحا أن لدى رئيس الجمهورية ″الدنيا ربيع والجو بديع″.. لذلك فقد “قفّل خلال ترؤسه للمجلس الأعلى للدفاع على كل المواضيع الحياتية” التي ترخي بثقلها على اللبنانيين وتفقدهم طورهم وتخرجهم الى الشارع شاهرين سيوف قطع الطرقات لايصال صرخات تمنع وصولها الأبواب الموصدة في قصر بعبدا وغيره من مراكز القرار.
وكأن اللبنانيين ضاقوا ذرعا من حياة الرفاهية، وملوا البحبوحة، وسئموا من توفر كل ما يحتاجونه من تعليم مجاني وإستشفاء على حساب الدولة، وضمان شيخوخة، فأرادوا أن يتحدوا الملل وأن يغيروا جوا، فنزلوا الى الشارع في نشاط ترفيهي لقطع الطرقات وإشعال الاطارات تحسسا بفقراء العالم الثالث وببؤساء مجاهل أفريقيا، حتى أزعجت هذه التحركات رئيس البلاد الذي طلب من الأجهزة الأمنية التصدي لها ومنعها وقمعها بهدف تأمين إقامة هادئة للسياح والوافدين الى لبنان خلال الصيف “الواعد” فقط لدى أركان الدولة الغائبين عن الوعي.
كان الأجدى برئيس الجمهورية أن يسعى لاقامة هادئة وهانئة للبنانيين قبل السياح والوافدين، وأن يترك إجتماعات المجلس الأعلى للدفاع مفتوحة ليلا نهارا، لمواجهة أزمة المحروقات التي بشّر الرئيس عون بأن جدول الأسعار الجديد سيخفف من وطأة الأزمة، متناسيا أو متجاهلا أن هذا الجدول سيحرق جيوب المواطنين بعد فرضه زيادة 30 بالمئة على كل السلع بدون إستثناء، وأن الحد الأدنى للأجور بات لا يكفي لإضاءة خمسة أمبير من مولد الاشتراك.
كان الأجدى بالرئيس عون بدل أن يطالب الأجهزة الأمنية بقمع تحركات اللبنانيين، أن يجندها ويعلن التعبئة العامة لمواجهة أزمات الكهرباء والدواء والخبز والاحتكار والتلاعب بالأسعار، وأن يسارع الى تشكيل حكومة يطلبها العالم بأسره للبدء بتقديم المساعدات ووقف الانهيار، لكن يبدو أن النظام الرئاسي الذي يمارسه من خلال المجلس الأعلى للدفاع الذي أصدر تكليفات أمس هي حصرا من مهام الحكومة يروق له ولفريق عمله.
لا يحتاج المواطنون الى قوة الأمن للخروج من الشارع، فهذا السلوك قد أثبت فشله في كثير من الدول المجاورة، وأشعل ثورات ما لبثت أن تحولت الى حروب أحرقت الأخضر واليابس، بل هم يحتاجون الى بعض من أمل يتلاشى مع كل إجتماع وكل تصريح وكل إطلالة وزير من وزراء الصدفة الذين بدل أن “يكحلوها يعموها”.
كل ما يصدر عن رئيس الجمهورية مؤخرا يدل بما لا يقبل الشك أنه ليس على إطلاع كاف بما تشهده البلاد من أزمات تقود شعب لبنان العظيم الى الانفجار، وربما يحرص فريق عمله على عدم تحميله ما لا يطيق، لكن ذلك يحتاج أيضا الى إجراء “كونترول” على التصريحات والاطلالات، لأن التحدث بهذا الشكل البعيد عن المنطق والمنفصل عن الواقع يكون وقعه أقسى على اللبنانيين المعذبين من الأزمات المعيشية، ولعل ما بثه الاعلام يوم أمس من تطاول على رئيس الجمهورية وسائر أركان السلطة من الغاضبين المحتجين يدل على حالة اليأس التي بلغوها، في وقت يؤكد فيه الرئيس عون في كل مرة أنه لم ييأس بعد!!..
مواضيع ذات صلة: