أفواه وأرانب!… جان توما

حين أطلق المخرج هنري بركات عام 1977 فيلمه ″أفواه وأرانب″ من بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين وفريد شوقي لمناقشة قضية الانفجار السكانيّ الذي يخلق كثيرًا من ″الأفواه″ الجائعة مقابل سلوك ″الأرانب″ في كثرة النسل، هل خطر بباله كيف يكون التهام الفاسدين في الوطن كلّ زيادة في الإنتاج ليعمّ الفقر والجوع؟

تتألم حين تزداد الأفواه الجائعة، وحين تتراجع نسب الزواج والإنجاب ويقتصر سكان الوطن على العجائز والمتقاعدين.

في مراجعة لما يحدث في مطعمَي مائدة المحبة والكرم والجود في مدينة الميناء تلحظ تكاثر الأفواه والأمعاء الخاوية، حيث يقدّم المطعَمَين ما يقارب الألف وجبة غداء يومًّيا بكرامة واحترام.

يقود روبير أيوب ومصطفى المالطي حركة يوميّة لوضع كتف مع أبناء المنطقة على الرغم من تراجع التبرعات العينيّة مؤخرًا، ما ينذر بالسوء، خاصة مع صعوبة الأزمة، وزيادة زوّار المطعَمَين اللذين تقوم أعمالهما على التطوّع المجانيّ في التوضيب والتقديم وخدمة الزوّار، وفي تبرعات من أهل المدينة، وخصوصًا المغتربين ومن مؤسسات محلّية وعالميّة.

ما زال المطعمان يرفدان العائلات بوجبة غداء صحيّة ومدروسة، فيما يقوم بعض المتطوعين من أبناء الميناء، بمبادرات متواترة من توزيع لفطور سريع أو حلويات، والأهمّ التوزيع شبه اليوميّ لربطات الخبز، وهذا كلّه بتعفّف وسرّية وعدم التصوير احترامًا للناس وحفاظًا على مجانيّة العطاء والخدمة.

من المؤكد أنّ روبير ومصطفى وغيرهما سيناضلون ولو بالأذرع الفارغة من أجل الأمعاء الجائعة، وقد اعتادوا على الزائرين اليوميين، يسلًمون عليهم بالأسماء، يبتسمون لهم علّهم يرسمون أملًا بالآتي.

ماذا لو أعاد هنري بركات تعديل عنوان فيلمه في هذه الأزمنة هل كان اعتمد الآتي: “أفواه بدون أرانب”، أو ” أفواه ونوائب”؟! رأفة بهذه الأفواه كونوا مع اللقمة، بعد أن خانت الأرانبَ آذانُها الكبيرة والمناسبة لالتقاط الأصوات وتحديدها ما يتيح لها ملاحظة التهديدات المحتملة التى يمكن أن تواجهها، كما خانتها عيونُها الموجودة على جانبي رؤوسها التي تجعل مجال رؤيتها يتضمن دائرة كاملة.

لكن ما صار عندنا هنا لم ينتظره أحد، ولم تسمع به أذن، ولم تره عين في أيّ زمن.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal