كلما ضاق الخناق المالي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي على ابناء طرابلس ووصلوا الى مرحلة الانفجار والنزول مجددا الى الشارع واستعادة صورة ثورة 17 تشرين، تجتاح المدينة “جولة عنف” جديدة باتت واضحة الاهداف وهي تعميم الفوضى واشاعة التوتر الامني واطلاق النار في مناطق مختلفة واستهداف القوى الامنية والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، ما يحول دون تحرك ابناء المدينة خوفا من ان يسجل عليهم المشاركة في اعمال الفوضى..
هو سيناريو غير بريء، بدأ يتكرر في كل مرة يطفح فيها كيل الناس من الوضع المعيشي المزري الى حدود المأساة، ومن الذل الذي يحيط بتفاصيل حياة الطرابلسيين كما سائر اللبنانيين، حيث يسارع البعض تحت عنوان “الغضب الثوري” الى القيام بأعمال بعيدة عن ثقافة الطرابلسيين وعاداتهم وتقاليدهم لقطع الطريق على مجتمع المدينة ومنعه من التعبير عن وجعه.
هي “جولة عنف” رابعة في طرابلس التي لا يزال البعض يصر على استخدامها كصندوق بريد لتوجيه الرسائل النارية التي نتج عنها امس عشرة جرحى خمسة من العسكريين ومثلهم من المدنيين.
وكأنه لم يكف طرابلس ما عانته على مدار ست سنوات (2008/ 2014) من جولات العنف العبثية بين التبانة وجبل محسن بعناوين مختلفة سياسية وامنية وثورية – سورية فضلا عن تصفية الحسابات الداخلية، حتى يُستخدم الشعار المطلبي اليوم، ليعيد للمدينة دورا ليس لها ولا يشبهها وتسعى الى ان تطوي ذكرياته ومآسيه، لكن هذه المرة عبر قيام مجموعات محلية او غريبة باستباحة المدينة والاساءة اليها بالاعتداء على الجيش وسجن اهلها في منازلهم، تماما كما حصل في الجولة الماضية التي تم فيها حرق البلدية والمحكمة الشرعية، وقبلها عندما اراد المندسون تشويه صورة “عروس الثورة” التي خرجت من ساحة النور الى كل العالم.
لا شك في ان الوضع القائم من “هستيريا” سعر الدولار الى الغلاء الفاحش الى الافتقار لابسط مقومات الحياة معطوفة على البطالة والفقر والجوع يعطي الحق للناس بأن يستوطنوا في الشوارع والساحات وان يُسقطوا هذه المنظومة السياسية الفاجرة التي تمتهن كرامات مواطنيها من دون ان يرف لها جفن، لكن ذلك لا يكون بالاعتداء على الطرابلسيين انفسهم وعلى ممتلكاتهم وترويعهم بفلتان امني.
ما حصل يوم امس يطرح كثيرا من التساؤلات لجهة، لماذا الاعتداء على مطعم للشاورما ومحاولة تحطيمه واحراقه من قبل المحتجين؟ أليس هذا اعتداء على استثمار في المدينة وعلى كل من يستفيد منه بفرصة عمل؟.
اليس تخريب الصراف الآلي لبعض البنوك وتكسيرها هو اعتداء على اهل طرابلس واجبارهم على الذهاب نحو الاقضية لاجراء اية معاملة مصرفية؟
أليس تحطيم بعض محطات المحروقات هو اعتداء على الطرابلسيين؟ اليس الاعتداء على مخفر درك التل والمالية ومجددا البلدية تشويه لصورة اهل المدينة؟
أليس رمي القنابل واطلاق النار واستهداف الجيش واستدراجه للرد هو تعريض الفيحاء لمخاطر قد نعرف كيف تبدأ لكن احدا لا يعرف كيف تنتهي؟
أليس سجن الناس في سياراتهم لساعات بفعل تقطيع اوصال المدينة وعزلها عن محيطها هو اعتداء عليهم وإحراق لأعصابهم؟
انتهى الليل الساخن امس، فخرج المحتجون من الشوارع او عادوا من حيث اتوا بعدما ادوا المهمة الموكلة اليهم، بتوتير الاجواء ودفع الغاضبين من المواطنين الى كظم غيظهم وعدم ترجمته في الشارع، ربما خوفا من عودة ثورة طرابلس التي اربكت العهد واركانه ذات تشرين.
مواضيع ذات صلة: