لا ينام اللبنانيون على تصريح لشخصية أو جهة دولية ما، من أنّ بلدهم يواجه صعوبات سياسية وإقتصادية ومالية خطيرة للغاية، إلّا ويستفيقون على تصريح آخر يحذّرهم فيه من إنهيار لبنان، وأنّ مستقبلا أسودا وقاتما ينتظرهم وينتظر بلدهم في الأيّام المقبلة.
آخر التصريحات كان ما أعلنه أمس المساعد السّابق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، بأنّه “يجب البدء بتشكيل حكومة في لبنان، ويبدو أنّ لا نيّة لذلك، والبلاد إقتربت من الإنهيار المحتّم”، مشيراً إلى أنّ “الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بادين أطلقت حملة عقوبات على الفساد لمكافحته، وآمل أن تفرضها على قادة فاسدين في لبنان”.
ومع أنّ شينكر لم يسم أحداً من هؤلاء “القادة الفاسدين” بالإسم، إلا أن إشارته إلى رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل تحديداً، ودون غيره من بقية المسؤولين في لبنان، المتهمين بالفساد، لأنّه حسب قول شينكر “يريد الثلث المعطل ليعزز حظوظه للإنتخابات الرئاسية المقبلة”، يدلّ بوضوح على أنّ الإدارة الأميركية ما تزال تنظر إلى رئيس التيّار البرتقالي نظرة سلبية منذ فرضها عقوبات مالية عليه في 20 تشرين الثاني عام 2020، وأنّ وصوله إلى قصر بعبدا لا يحظى بتأييد منها.
قبل ذلك بأيّام، وتحديداً مطلع الشّهر الجاري، كان البنك الدولي قد أصدر تقريراً تحت عنوان: “لبنان يغرق: نحو أسوأ 3 أزمات عالمية”، حذّر فيه من أنّ “لبنان غارق في انهيار إقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حلّ يخرجه من واقع مترد يفاقمه شلل سياسي”.
لكنّ التحذير الأبرز والأكثر دلالة على خطورة الوضع الذي يعيشه لبنان هذه الأيّام، وتأثيره على مصيره ووجوده ومستقبله، جاء على لسان المسؤولين الفرنسيين، وتحديداً وزير خارجيتهم جان إيف لودريان، الذي حذّر في 12 آذار الفائت من أنّه “إذا انهار لبنان فستكون كارثة على اللبنانيين، وعلى اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والمنطقة بأسرها”، معتبراً أنّه “لا يزال هناك وقت للتحرّك لأنّه في الغد سيكون قد فات الأوان”.
لكنّ التحذير الأخطر الذي نبّه منه لودريان كان ذاك الذي أطلقه في 27 آب 2020، بعد نحو ثلاثة أسابيع من إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب من الشّهر ذاته، ومفاده أنّ “الخطر اليوم هو اختفاء لبنان، بسبب تقاعس النخبة السّياسية التي يتعين عليها تشكيل حكومة جديدة وبشكل سريع، وتنفيذ إصلاحات ضرورية عاجلة”، مضيفاً بما يشبه رسالة واضحة إلى السلطة السياسية التي ما تزال تصرّ على تجاهلها بالرغم من أنّ مصير ومستقبل بلدهم على المحك، من أنّ “المجتمع الدولي لن يوقّع شيكاً على بياض إذا لم تنفذ الإصلاحات المطلوبة”.
غير أنّه برغم كلّ هذه التحذيرات، وبرغم تدهور الوضع في لبنان من سيّىء إلى أسوأ منذ أكثر من سنة ونصف، فإنّ الطبقة السّياسية اللبنانية ما تزال تصرّ على تجاهل هذه التحذيرات، وإدارة الإذن الطرشاء، في موازاة عدم إقدامها على أيّ خطوة من أجل إنقاذ البلد وإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل سقوط الهيكل فوق رؤوس الجميع.
مواضيع ذات صلة: