في أقلّ من 24 ساعة تبخّر كلّ التفاؤل الذي ساد الأوساط السّياسية والشّعبية حول احتمال تأليف الحكومة المقبلة قريباً، وأن تبصر مراسيمها النّور خلال هذا الأسبوع، إستناداً إلى مبادرة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي التي قدّمها في 24 أيّار الماضي، والتي ترتكز على قاعدة 8 + 8 + 8، وهي مبادرة ماتت قبل أن تولد.
بعض سيناريوهات التفاؤل رسمت مخرجاً للأزمة الحكومة العالقة في دوّامة صراعات وتجاذبات القوى السّياسية حول حصصها في التشكيلة المرتقبة، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليفها في 22 تشرين الأول 2020، يتمثل في زيارة الحريري برّي في مقرّ الرئاسة الثانية، بعد عودته من الخارج مساء يوم الأحد الماضي، على أن يزور لاحقاً قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون أمس أو قبله على أبعد تقدير، ويُقدّم إليه تشكيلة الحكومة بعد إجرائه سلسلة مشاورات، قبل أن يخرج الدخان الأبيض من القصر الجمهوري إيذاناً بولادة الحكومة العتيدة.
لكن هذا السّيناريو التفاؤلي سرعان ما طار مع تقدّم ساعات يوم الإثنين الماضي، بعد تسرّب معلومات عن أن مواقف طرفي الكباش الحكومي، عون والنائب جبران باسيل من جهة والحريري من جهة أخرى، ما تزال على حالها، وأنّ التنازل الشكلي الذي قدّمه كل منهما تسهيلاً لولادة الحكومة سرعان ما غرق في التفاصيل، والشروط والشروط المضادة.
فالحريري الذي أبدى موافقة مبدئية على توسيع الحكومة من 18 وزيراً إلى 24، بقي متمسكاً بقوة بتسمية وزيرين مسيحيين من الوزراء الـ12، بعد توزيع الوزراء العشرة المتبقين على كل من عون والتيّار الوطني الحرّ وتيّار المردة والحزب السّوري القومي الإجتماعي، وهو ما رفضه فريق عون ـ باسيل الذي تمسّك بما اسماه “حقّه” بتسمية الوزراء المسيحيين، كما يتمسك بقية الأطراف في الطوائف الأخرى بتسمية وزرائهم، وعدم قبوله تسمية الحريري وزيرين مسيحيين، كما سقطت صيغة حلّ ثالثة تقضي بتسمية الوزيرين المسيحيين من قبل قوى المجتمع المدني، إذ سقط هذا الإقتراح بدوره برفض الطرفين له.
هذه الأجواء أعادت الأمور إلى المربع الأوّل وكأنّ شيئاً لم يكن، وزاد الأوضاع تأزّماً وتعقيداً التراشق الإعلامي وتبادل الإتهامات بالعرقلة بين تيّار المستقبل والتيّار الوطني الحرّ يوم أمس بعبارات من الوزن الثقيل سياسياً، بعدما اعتبر باسيل أنّه “واضح أنّ هناك فبركة للحجج لعدم تأليف الحكومة”، وردّ تيار المستقبل عليه بأنّه يتوهّم (باسيل) أن استخدامه لولي نعمته السّياسي (عون) سيمكّنه من الإنقضاض على رئاسة الحكومة”.
وزاد الأمور تأزّماً ورسماً لمستقبل أسود وقاتم للأزمة السّياسية، ما أعلنه تيّار المستقبل لأول مرّة على لسان نائب رئيس التيّار مصطفى علوش، الذي رأى أنّ “الشيء المؤكّد هو أنّ الإعتذار أصبح مطروحاً عند رئيس الحكومة المكلف”، ما طرح تساؤلات حول إن كان هذا الإعتذار متوافقاً عليه مسبقاً، أي أن يُسمّي الحريري شخصية سواه لتأليف الحكومة، أم قفزة في الهواء تبقي البلد معلقاً على حبال أزمة تتشعب تعقيداتها بين داخل عاجز عن حلّ الأزمة، وخارج غير متسرّع لهذا الحلّ قبل التوافق على ملفات المنطقة الأخرى، ورسم خطوط النّفوذ والمصالح والصّراعات.
مواضيع ذات صلة: