بعد أن تجاوز لبنان ″قطوع″ ″الغضب السعودي″ جراء تصريحات وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبة البعيدة عن الأصول والأعراف الدبلوماسية والذي دفع الثمن بتنحيه عن مهامه على وقع هبّة لبنانية سياسية، دينية وإجتماعية لتقديم الاعتذار للمملكة قيادة وشعبا.. دخل لبنان في ″قطوع″ الانتخابات الرئاسية السورية التي ما تزال توتراتها الأمنية تخيم على مناطق عدة، بعد إعتداءات همجية وغير مبررة تعرض لها ناخبون سوريون خلال توجههم الى مقر سفارة بلادهم في الحازمية، ما إضطر الجيش اللبناني الى الإنتشار أفقيا في مختلف المناطق اللبنانية لمعالجة ذيول هذه الاعتداءات التي ألهبت ليل طرابلس بسلسلة قنابل يدوية ومولوتوف رميت على مركز الكتائب ومستوصف الخيال وضمن شوارع وأحياء بين التبانة وجبل محسن.
فجأة ومن دون سابق إنذار، إستعاد لبنان بكاملة أجواء التوتر والتشنجات بفعل ممارسات عنصرية مقيتة وإستفزازات متبادلة، نسفت كثيرا من مواقف “الود والحب والاحتضان” التي يذكرها الجميع لتيارات سياسية تجاه النازحين السوريين والتمسك بهم، ورفض عودتهم الى بلادهم، وتخوين من يقدم حتى على إزعاجهم، وإستحضرت تاريخا لبنانيا أسودا إسترجع صورا مماثلة لـ 13 نيسان 1975، يجهد كل المواطنين على محوها من ذاكرتهم وطيّ صفحتها الى غير رجعة.
وبإنتظار أن تسفر المعالجات عن الخروج من “قطوع” الانتخابات الرئاسية السورية، يدخل لبنان اليوم “قطوع” مناقشة الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية ميشال عون الى مجلس النواب حول مماطلة الرئيس المكلف سعد الحريري في تشكيل الحكومة وإتهامه “بأسر التكليف وتأبيده”، وذلك لمناقشتها في الهيئة العامة وإتخاذ التوصية المناسبة بشأنها.
لا شك في أن هذه الرسالة الرئاسية جاءت من خارج السياق العام، ففي الوقت الذي ينتظر فيه اللبنانيون خطوات عملية ومبادرات سريعة لانقاذ الوضعين الاجتماعي والاقتصادي والحد من المآسي التي تتمدد على طول مساحة لبنان بطالة وفقرا وجوعا وأزمات في المحروقات والكهرباء والأدوية، يُدخل الرئيس عون البلاد في جدل بيزنطي حول مسؤوليات التعطيل والعرقلة والصلاحيات الدستورية لا يسمن ولا يغني من حلول للمشكلات الأساسية، كما يقود الشارع الى تشنجات طائفية قد تجد في التوترات التي نتجت عن الانتخابات السورية أمس ضالتها، خصوصا أن لبنان بات يفتقر لكل أنواع المناعة التي تنهار تباعا الى جانب الاقتصاد والعملة الوطنية والمقدرات والامكانات إضافة الى الحسّ الوطني الذي بات مفقودا لدى المعنيين بأمور البلاد والعباد.
بات معروفا أن الرئيس نبيه سيتعامل مع الرسالة الرئاسية دستوريا، حيث سيتلوها في جلسة اليوم، ثم يؤجل نقاشها الى جلسة ثانية تعقد مطلع الاسبوع المقبل، وذلك لافساح المجال أمام مزيد من الاتصالات التي تؤمن مناقشة الرسالة بأقل الخسائر الممكنة، خصوصا في ظل المعطيات التي تشير الى أن الذهاب بالمناقشة الى النهاية والتصويت عليها لن يصب في مصلحة الرئيسين عون والحريري على حد سواء، وهي ستؤدي الى مزيد من الشرخ بينهما، علما أن تيارات سياسية عدة ستتعامل مع الرسالة بلامبالاة بدءا من القوات اللبنانية التي تنأى بنفسها عنها، وصولا الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي (وفي مقابلة له مع الزميل مرسال غانم في برنامج “صار الوقت” على قناة الـ MTV) لم يوفر الرئيس الحريري من إنتقاداته معتبرا أنه غير مرغوب به سعوديا، ومؤكدا عدم دخول نوابه بأي نقاش حول الرسالة، لأن في ذلك مضيعة للوقت، داعيا الى معالجة الأزمات الاجتماعية التي تبقى الأهم من خلق مشكلة طائفية جديدة الجميع بغنى عنها.
أمام هذا الواقع يتطلع اللبنانيون الى دور توفيقي يمكن أن يلعبه الرئيس نبيه بري خصوصا أنه الأقدر على تدوير الزوايا السياسية وتقريب وجهات النظر، وذلك من أجل الخروج من الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد منذ تسعة أشهر من دون حكومة.
وتشير مصادر سياسية مطلعة في هذا الاطار، الى أنه إذا كانت رسالة رئيس الجمهورية تشكل سابقة وهي ممنوعة من الصرف سياسيا أو حكوميا كونها كُتبت لإسترضاء الأوروبين وإبعاد شبهة التعطيل عن عون باسيل وفريقهما السياسي خوفا من العقوبات، فإن مجلس النواب الذي كلف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة له الحق في أن يسأل عن مصير هذا التكليف بعد هذه الفترة من التعطيل، وأن يتدخل عبر رئيسه للدفع نحو تأليف حكومة إنقاذ تضع حدا للانهيار المتعدد الأوجه.
وترى هذه المصادر وجوب تبديل الصيغة الحكومية المطروحة، خصوصا أن حكومة المهمة التي ترشح الحريري على أساسها باتت بحكم المنتهية مع فشل المبادرة الفرنسية، وبالتالي فإن النقاش من المفترض أن يتركز حول إيجاد تسوية أو مبادرة جديدة تطرح صيغة حكومية مغايرة سواء تكنوسياسية أو سياسية قادرة على الانقاذ تحظى بدعم دولي وعربي وبثقة داخلية، للبدء بإنقاذ ما يمكن إنقاذه وقبل فوات الأوان..
مواضيع ذات صلة: