تشير أغلب التقارير المتعلقة بالأوضاع في المنطقة إلى تطوّرات بالغة الأهمية، ينتظر أن تنكعس على مجمل الملفات العالقة والمعقّدة، وأن تسهم في انفراجات واسعة ستترجم قريباً على أرض الواقع في أكثر من منطقة.
واللافت في الأمر أنّ هذه التطوّرات أتت دفعة واحدة، أو في أوقات متقاربة، ما طرح تساؤلات حول إن كان الأمر صدفة أم أنّه جاء مدبّراً مسبقاً، وهل أن التواصل بين دول سادت بينها عداوة وخصومة حادة في العقد الأخير، على أقل تقدير، سيفضي في نهاية المطاف إلى بلورة تفاهمات وفتح صفحات جديدة تنهي سنوات وعقود التوتر والحروب والدم والفوضى التي عاشتها المنطقة وما تزال.
أبرز هذه التطوّرات تمثل في الكشف عن لقاء رفيع المستوى عقد في العاصمة العراقية بغداد هذا الشّهر بين ممثلين عن جهازي الإستخبارات في السّعودية وإيران، والإشارة إلى أنّ لقاءات مقبلة أخرى ستعقد لاحقاً بينهما، وهو تواصل في حال تطوّره ونجاحه، سيسهم بلا شك في معالجة الكثير من الملفّات السّاخنة في المنطقة، وفي تخفيف التوتّر السّائد على ساحات المواجهة بين الرياض وطهران، سياسياً وإقتصادياً ومذهبياً، من اليمن إلى العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان.
يأتي ذلك بالتّزامن مع بدء التفاوض الأميركي والغربي مع إيران في فيينا حول الملف النووي الإيراني، وسط أجواء توحي باحتمال إقتراب التوصّل إلى تفاهم يعيد إحياء الإتفاق بين الطرفين الذي فسخه الرئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب، وهو إتفاق من شأن عودة الحياة إليه أن يسهم في تبريد التوتّر القائم بين واشنطن وطهران، وفي تفاهمها حول مقاربة ومعالجة ملفات كثيرة عالقة بينهما، جزئياً أو كليّاً، ومن بينها الملف اللبناني.
ولا يغيب هنا الإعلان المفاجىء عن التّقارب المصري ـ التركي وهو تقارب في حال نجاحه ووصوله إلى غايته المنشودة، سيسهم في تبريد الكثير من السّاحات السّاخنة، ومنها على وجه التحديد السّاحتين الليبية والسّورية، إنطلاقاً من إعادة أنقرة النّظر في الكثير من سياساتها حيال دمشق وطرابلس الغرب، والتي لمست أنقرة أنّها تخوض فيهما مغامرة خاسرة وغير محمودة العواقب.
يُضاف إلى ذلك الكلام الجدّي عن ضرورة وضع حدّ للحرب الدّائرة في اليمن بعدما أرهقت واستنزفت الدول المشاركة فيها، فضلاً عن الدّمار الكبير الذي أصاب بلداً لم يعد سعيداً، كما كان يوصف سابقاً. فضلاً عن وضع الأزمة الليبية على طريق الحلّ بعد سنوات من الحروب والإنقسامات.
وإذا كانت إستضافة العراق مفاوضات سعودية ـ إيرانية دليلاً على بدء تعافيه، فإنّ الإعلان عن موعد الإنتخابات الرئاسية في سوريا في 26 أيّار المقبل، بالتزامن مع تحسّن ملحوظ في سعر صرف الليرة السّورية مقابل الدولار، من 4800 ليرة مقابل كلّ دولار قبل أسابيع وصولاً إلى 3000 أمس، إضافة إلى حديث جدّي عن عودة سوريا قريباً إلى جامعة الدول العربية، يشكل دليلاً على قرب انتهاء الأزمة السّورية.
كلّ ذلك يطرح تساؤلاً رئيسياً: ألا ينبغي أن ينعكس الإنفراج الإقليمي ويترجم في لبنان بشكل أو بآخر، وهو المتأثّر دائماً بمحيطه القريب والبعيد، أم أنّ الأمر يتطلب حدثاً ما وتطوّراً معيناً قبل إخراج البلد من عنق الزجاجة ومنع انهياره؟
مواضيع ذات صلة: