لم يعد الحديث عن ضرورة تأليف الحكومة يتصدّر المشهد السّياسي والإعلامي في لبنان، برغم أنّ معظم الأحداث تدور حول ملفات لها علاقة بشكل أو بآخر بضرورة تشكيل الحكومة في أقرب وقت، وأنّ تجاهل هذا الإستحقاق أو جعله ثانوياً يعقّد كلّ الملفات الأخرى العالقة.
في الآونة الأخيرة تعايش الوسط السّياسي اللبناني مع تجميد ملف تأليف الحكومة، وكأنّها في “الكوما”، بعد مرور قرابة ستّة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، بعدما تبين أنّ لا بصيص أمل في ولادة الحكومة قريباً بسبب تعقيدات داخلية وخارجية عدّة، الأمر الذي جعل ملفات أخرى تتقدّم على الملف الحكومي، إنّما من غير أن تنفصل عنه إلّا شكلياً.
أبرز هذه الملفات الوضع الإقتصادي الآخذ في التدهور، والذي يعرف القاصي والدّاني في البلاد أنّ إيقافه عند حدّه، وبدء عملية التعافي إقتصادياً ومالياً، واستعادة الليرة بعضاً من قيمتها التي خسرتها، يتوقف على تأليف الحكومة قبل أي شيء آخر، للحصول على قدر من الثقة داخلياً وخارجياً، بما يسمح بفكّ الخناق المعيشي، والخروج تدريجياً من عنق الزجاجة.
ثاني هذه الملفات تمثّل في الإنفلات الأمني الخطير الذي بدأ اللبنانيون يعيشون هواجسه منذ اليوم الأوّل لبدء شهر رمضان المبارك تحديداً، وفي جميع المناطق بلا استثناء، إذ لم يعد يمرّ يوم بلا وقوع أعمال عنف فيه، تترافق مع إطلاق نار غالباً، يسقط ضحيتها قتلى وجرحى، مثلما حصل في طرابلس في اليوم الأوّل من شهر رمضان، وفي عكّار أوّل من أمس، ما حوّل الأمسيات الرمضانية، التي يفترض أن تكون هادئة وروحانية، إلى مآسٍ وجحيم، وجعل شياطين الإنس تسرح وتمرح بسبب غياب السّلطات ـ ومنها الحكومة ـ عن دورها في فرض الأمن والإستقرار.
ثالث هذه الملفّات كان ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الصهيوني، وهو ملفّ ليس من المعقول نهائياً، ولا منطقياً، أن يتعاطى لبنان معه بلا وجود حكومة فيه، نظراً لأهميته وخطورته، ولما قد يشكّله من تداعيات على مستقبل البلد برمته.
رابع هذه الملفّات، والذي شكّل فضيحة الفضائح، كان الإنقسام الحاد الذي شهده الجسم القضائي مؤخراً، وغير المسبوق في تاريخه، وهو إنقسام يأتي ترجمة طبيعية للإنقسام السياسي في البلاد، وانعكاسا له، ما جعل التراشق السياسي والإعلامي ورمي التهم بين القوى المتصارعة سيّد السّاحة بلا منازع، بين من يرفع شعارات تقول بمحاربة الفساد من جهة، ومن جهة أخرى مع من يتهمون قضاة بأنّهم فتحوا على حسابهم وحساب من يمثلون سياسياً.
وسط هذا الإهتراء الذي لم يسبق للبنان أن عاشه سابقاً، حتى في أيّام الحرب الأهلية، برزت مخاوف مشروعة من أن يكون ما يشهده لبنان مقدمة لانهيار أكبر خلال الأيّام المقبلة، وأن يذهب البلد أكثر وأبعد نحو المجهول.
مواضيع ذات صلة: