معضلة التمثيل المسيحي تعتقل الحكومة .. والبلد!… عبد الكافي الصمد

كان يكفي أن يقوم المرء بجولة صغيرة في الأسواق العامّة والشّعبية، في اليوم الأول من شهر رمضان، حتى يلمس إرتفاع الأسعار بشكل جنوني وحجم المعاناة التي يكتوي بنارها أغلب اللبنانيين، بينما الطبقة السّياسية غائبة عن السمع وكأنّها تعيش في برج عاجي، بعيداً عن هموم المواطنين من أقصى البلاد إلى أقصاها.

ومع أنّه بالكاد باتت العائلات اللبنانية تستطيع تأمين قوت يومها، بالتزامن مع إرتفاع  أسعار السلع الرئيسية أو فقدانها من السوق، من محروقات ومواد غذائية وأدوية، فإنّه ما تزال الطبقة السياسية تكابر وتتبجح بالقول إن ما تفعله هو لمصلحة لبنان واللبنانيين، بينما الحقيقة أنّ هذه الطبقة تعوّدت على تقديم مصالحها الخاصّة على أي اعتبار آخر، تحت شعار: “أنا ومن بعدي الطوفان”.

أكبر دليل على ذلك هو بقاء ملف تكليف الحكومة المقبلة عالقاً إلى أمد ليس معروف، من غير أن تفلح المساعي، الداخلية والخارجية، أن تنجح في أن تبصر الحكومة النّور، برغم مرور أكثر من خمسة أشهر ونصف على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليفها في 22 تشرين الأول الماضي، بسبب تضارب مصالح الطبقة السياسية إيّاها ورؤيتها للحكومة المرتقبة، ومن سيتحكم بقرار الحكومة ومفاصلها وحقائبها الأساسية.

آخر مشاورات الجدل البيزنطي حول تشكيل الحكومة، بعد توافق على طرح رفع عدد وزرائها من 18 إلى 24 وزيراً، هو من سيسمّي وزرائها، أي بصريح العبارة من الذي سيتحكّم بالقرار فيها، وما حصّة كلّ طرف من القوى السّياسية فيها، وما هي الحقائب التي يطالب بها، أو تلك التي سيحصل عليها في نهاية المطاف.

وظهر من الجدال الدائر أنّ الخلاف هو حول الجهة التي ستسمّي الوزراء، وهو خلاف قديم ـ جديد، أجهض وما يزال أيّ طرح لتشكيل الحكومة، بسبب غلبة التقاسم الطائفي والمذهبي، والمحاصصة، على أي اعتبار آخر.

فبعدما بات محسوماً أن الوزراء السّنّة في الحكومة المقبلة سيكونوا من حصّة الحريري والرئيس نجيب ميقاتي، والوزراء الشّيعة من حصّة الثنائي حزب الله وحركة أمل، وأن الوزيرين الدرزيين فيها سيكونان من حصّة النائب السّابق وليد جنبلاط والنائب الحالي طلال إرسلان، فإنّ الخلاف يدور حول تسمية الوزراء المسيحيين الـ12، وهي تسمية تبدو العقبة الأصعب والأكثر تعقيداً.

وإذا كان توافقاً مبدئياً قد تمّ على تسمية رئيس الجمهورية ميشال عون 7 وزراء من المسيحيين، بمن فيهم الوزير الأرمني المحسوب على حزب الطاشناق، وتيّار المردة سيسمّي وزيرين، والحزب السّوري القومي الإجتماعي وزير واحد، فإنّ أمر تسمية الوزيرين المسيحيين المتبقيين تبدو المهمّة الأصعب.

يعود سبب ذلك إلى موقف الثنائي المسيحي الأكثر تمثيلاً من حيث عدد النواب، التيّار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية، بالغياب عن المشاركة في الحكومة، ما جعل الحصّة المسيحية في الحكومة موضع كباش بين عون والحريري؛ الأول يرى أن الأطراف السّياسية الأخرى سمّت ممثليها في الحكومة إنطلاقاً من إعتبار سياسي مرتكزه طائفي ومذهبي، وأنّ هذا الحق يفترض أن يأخذه كما فعل سواه، بينما يرفض الحريري الفكرة إنطلاقاً من توافق يمنع حصول أيّ طرف سياسي بمفرده على أكثر من ثلث أعضاء الحكومة، وهو تجاذب أخذ أبعاداً سياسية وطائفية ومذهبية، فضلاً عن الشّخصية، ما جعل حلّه بالغ الصعوبة، وهو تجاذب يحصل بينما البلد يغرق، والمواطنون يتقاتلون للحصول على صفيحة بنزين، وغالون زيت .. أو ربطة خبز.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal