لا أحد يسمع أحدا في لبنان، ولا طرف يقتنع بوجهة نظر الطرف الآخر، ولا أحد يخشى على البلد وأهله، بينما الأمور تسير نحو الأسوأ بسرعة صاروخ، والقادم من الأيام بحسب كل المطلعين سيكون سوداويا، ورغم كل ذلك لا أحد يحرك ساكنا للانقاذ ولا أحد يتعاون مع أحد لايجاد الحلول.
هو حوار طرشان، يتضمن أفكارا وطروحات ومبادرات من كل الأطراف الداخلية والخارجية، لكنها لا تجد طريقها نحو التنفيذ ولا تقدم حلا ولا تشكل حكومة لأن أحدا لا يريد أن يسمع، بعدما أغلق أذنيه على صوت مكاسبه ومصالحه وطموحاته التي تستعجل الانهيار لبلد الأرز.
كل العالم نادى بضرورة تشكيل حكومة، ودعا المسؤولين اللبنانيين الى مساعدة أنفسهم لكي يتم مساعدة بلدهم، لكن أحدا لم يسمع ولم يستجب.
وقع إنفجار مرفأ بيروت الذي زلزل العالم برمته ودمر العاصمة وشرد أهلها، لكن وقعه المأساوي لم يصل الى ضمائر القيادات اللبنانية التي لم تبدل من تعنتها وتصلبها شيئا، بينما بقيت صرخات المواطنين وأنينهم تائهة في واد سحيق.
حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان مرتين متتاليتين وجمع كل القيادات السياسية في قصر الصنوبر وتوافق معهم على مخارج للحلول للبدء بمسيرة الانقاذ وغادر على أمل أن تصله الى الأليزيه الأصداء الايجابية للتنفيذ، لكن شيئا من هذا القبيل لم يحصل، وكأن المسؤولين لم يسمعوا شيئا من ماكرون الذي فوجئ بخطوات تعاكس توجهات مبادرته.
الرئيس ميشال عون قال عبارته الشهيرة “ذاهبون الى جهنم”، ويبدو أنه أعطى صهره جبران باسيل توكيلا لقيادة الوطن الى بئس المصير، والرئيس نبيه بري شبه لبنان بسفينة التيتانيك التي باتت على وشك الغرق، والرئيس حسان دياب يدعو الله لأن يحمي لبنان من دون أن يعمل بالأسباب ويقوم بأبسط الواجبات، والرئيس سعد الحريري يطلب من الله الرأفة باللبنانيين الذين تحولوا الى شعب عنيف يقاتلون بعضهم البعض على البضائع المدعومة بعدما تراجعت مداخيلهم وخسرت عملتهم الوطنية نحو 80 بالمئة من قيمتها، والسيد حسن نصرالله يحذر من حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، ووليد جنبلاط يعبر عن خوف يختزن الكثير من المخاطر التي لن تستثني أحدا، بينما يرشح سمير جعجع زيتا بفعل إيمان لا يُترجم سوى بالتنظير.
كل هذا النعي والندب والعويل والخوف، لم يؤد الى تحريك المياه في البركة الحكومية الراكدة، لأن كل طرف يتحدث مع نفسه ولا يعطي أية أهمية للآخر وشراكته لكي يصل وإياه الى قواسم يمكن البناء عليها لتشكيل الحكومة.
ربما أكثر من ألف مرة أكد الحريري ونوابه وقيادات تياره، بأنه متمسك بصيغة 18 وزيرا من الاختصاصيين غير الحزبيين ومن دون ثلث معطل، وأكثر من ألف مرة ذكر جبران باسيل وحدة المعايير والميثاقية وحقوق المسيحيين، فيما الاثنان يكذبان على بعضهما البعض وعلى اللبنانيين، فالأول يريد عزل باسيل وإبعاده عن كل ما يتعلق بالحكومة، والثاني يريد الانتقام من الحريري على إستقالته بعد ثورة 17 تشرين من خلال حصوله على الثلث المعطل الذي يمكنه من التحكم بالحريري وبقرارات حكومته بما ينغص عليه الحكم.
وفي الوقت الذي يدير فيه الحريري الأذن الطرشاء لباسيل ويبادله الأخير الاذن الطرشاء الثانية، يصم رئيس الجمهورية أذنيه بالكامل عن أوجاع شعب لبنان العظيم، ويتخلى عن مسؤوليته الوطنية وصفته الرئاسية الجامعة ويتعاطى كرئيس فئوي يسوّق لفولاذية جبران باسيل الذي يبدو أن الكيل قد طفح لدى الاتحاد الأوروبي من غطرسته وإصراره على تعطيل تشكيل الحكومة إذا لم تتحقق شروطه فيها..
فهل تفتح العقوبات الاوروبية آذان الطرشان بدءا من باسيل.
مواضيع ذات صلة: