لبنان إلى العتمة دُرّ. هكذا وبكلّ بساطة سيكون واقع البلاد منذ يوم أمس وفي الأيّام المقبلة، بعدما تواترت المعلومات، تباعاً، عن توقف معامل إنتاج الكهرباء عن العمل بسبب نقص حاد في مادة الفيول لديها، من غير أن يلوح أي بصيص أمل لمعالجة هذه المشكلة التي ستجعل الظلام يخيّم على لبنان من أقصاه إلى أقصاه، وكأنّ الجميع قد أُسقط من بين أيديهم واستسلموا للقدر الأسود المحتوم الذي ينتظرهم.
بعد ظهر أمس أُعلن أنّ محرّكات معمل الزهراني الحراري أُطفئت بسبب نفاد مادة الفيول، لأن باخرة الفيول الآتية لصالح المعمل تأخّرت في الوصول بسبب إقفال حركة الملاحة في قناة السويس.
هذه المشكلة دفعت إدارة المعمل لكي تطلب من إدارة منشآت النفط في الزهراني، الملاصقة للمعمل، تزويدها بالفيول على سبيل الإعارة، من أجل تشغيل محرّكاته لتوليد الطاقة الكهربائية. لكن الطلب قوبل بالرفض لأسباب متضاربة، بعضها للخلاف على مواصفات الفيول، وبعضها الآخر لمحدودية الكمّيات لدى المنشآت.
توقّف معمل الزهراني عن العمل جعل الأنظار تتوجّه إلى معمل دير عمار، علّه يتمكّن إلى حدّ ما من تعويض النقص الذي سبّبه توقف معمل الزهراني عن العمل، وهو نقص كان موجوداً في الأصل، لكن تبيّن أنّ وضعه ليس أفضل منه، وأن إثنتين من وحداته الحرارية الأربع متوقفة عن العمل نهائياً منذ مدّة بسبب نقص في مادة الفيول لديه، وأنّ الكمية المتوافرة من الفيول في خزّانات المعمل بالكاد تكفي تشغيل وحدة حرارية ما بين 5 ـ 6 أيّام، ووفق برنامج تقنين قاس، وأنّه بعد هذه الفترة فإنّ محرّكات العمل سوف تتوقف عن العمل نهائياً إذا لم يتأمّن الفيول لها.
لكن ليس تأخّر وصول الفيول بسبب توقف الملاحة في قناة السويس هو فقط ما أوقف معامل إنتاج الكهرباء، إنّما عدم توافر الأموال أيضاً وعجز الحكومة ووزارة الطاقة عن معالجة الموضوع، بعدما تبيّن أن هناك بواخر محمّلة بالفيول موجودة في عرض البحر وهي مستعدة لتفريغ حمولتها في أحد المعملين، الزهراني أو دير عمار، لكن شرط دفع ثمن الفيول مسبقاً، وهو شرط لم تعلن أيّ جهة رسمية معنية إستجابتها له بعد.
وهكذا، فإنّ اللبنانيين الذي يعيشون في بلد مُفلس وتشرف عليه إدراة حكومية فاشلة، وتتحكم بمفاصله طبقة سياسة فاسدة، ليس عجباً أن يصل إلى ما هو عليه الآن. فهل أنه بعد الإنهيار المالي والإقتصادي، والتدهور المعيشي والإجتماعي، والإنقسام السّياسي، والخطاب الطائفي والعنصري، وانهيار القطاعات كافة واحداً تلو الآخر، من التعليم إلى الصحّة إلى الزراعة والسياحة والصناعة، وقبل ذلك وبعده إنفجار مرفأ بيروت، وتدني وتراجع وضعف البنى التحتية، هل بات عجباً أن يحلّ الظلام والعتمة في بلد هو على هذا الجانب من الترهّل، وأن يصبح العيش فيه أشبه بالعيش في غابة، القوي فيها يأكل الضعيف، وأن يعود سكانه إلى العصر الحجري، وربما إلى ما دون.
مواضيع ذات صلة: