قطع الطريق ممنوع لدى رئيس الجمهورية.. فهل الجوع مسموح؟!… غسان ريفي

مرة جديدة يكتشف اللبنانيون أنهم ″أيتام على طاولة لئام″، وأن ما يواجهونه من مآس ومعاناة وفقر وجوع ويعترضون عليه، يقاس في إجتماعات قصر بعبدا بالطرقات المقطوعة ويوضع في خانة الأعمال التخريبية الهادفة الى ضرب الاستقرار والنيل من الدولة ورمزها.

قطع الطريق مرفوض في قاموس رئيس الجمهورية ميشال عون، والهجوم على العهد لدى مستشاري البلاط “جريمة لا تغتفر”، لكن الانهيار الاقتصادي والمالي والبنيوي للدولة ومؤسساتها وأجهزتها مسموح، والامعان في إذلال اللبنانيين وتحويلهم الى شعب جائع يتقاتل على الغذاء المدعوم “مسألة فيها نظر”.

فرض الغضب نفسه على المناطق اللبنانية أمس إحتجاجا على الأوضاع المعيشية المزرية، وتُرجم تقطيعا لأوصال الوطن بـ”زنار نار” من الاطارات المشتعلة، من أجل ايصال صرخة مدوية عن وجع لبناني غير مسبوق الى أركان السلطة الذين أثبتوا مجددا أنهم يعيشون على كوكب آخر، وأن إجتماعاتهم تبحث في كل شيء إلا في أصل الأزمة، فكان إجتماع بعبدا “لزوم ما لا يلزم”، كونه لم يأت بحل ولم يطمئن مواطنين إستوطنوا الشارع خوفا من مستقبل مجهول.

اللافت أن بيان إجتماع بعبدا، لم يأت على ذكر تشكيل الحكومة التي من المفترض أن تشكل المدخل الأساسي للانقاذ، فبدا الرئيس عون مرتاحا للنظام الرئاسي الذي يمارسه عن سابق تصور وتصميم تارة بالمجلس الأعلى للدفاع وإصدار تكليفات لوزراء من بينها فتح إعتمادات مالية وتعزيل أقنية المجارير، وتارة أخرى باستدعاء حاكم مصرف لبنان وسؤاله عن سبب إرتفاع الدولار وإصدار بيان رئاسي غابت عنه أجوبة الحاكم، وطورا بالاجتماع الاقتصادي ـ الأمني بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي هدد بالاعتكاف الذي كان عليه عندما كان رئيسا عاملا.

واللافت أيضا، أن البيان حمّل مسؤولية الانهيار المالي والارتفاع الهستيري للدولار الذي بات يهدد الوطن بالمجاعة الى عدد من المنصات الالكترونية الخارجية وفي ذلك تنصل واضح من المسؤولية الوطنية، في حين أن إرتفاع الدولار بدأ منذ أكثر من عام، ووصل الى التسعة آلاف ليرة قبل أكثر من شهر وتأرجح على مشارف العشرة آلاف الى أن بلغ ذلك قبل أيام، فلماذا لم تتم الاضاءة على دور تلك المنصات في السابق؟ ولماذا لم يصر الى مواجهتها والعمل على إقفالها؟. وما الفرق بين دولار بـ 9900 ودولار بـ 10500، لكي يصار الى تحميل المنصات مسؤولية وصول السعر الى هذا المستوى؟..

لم يكن اللبنانيون ينتظرون أن يسمعوا من بيان إجتماع بعبدا بأن “رئيس الجمهورية ماض في تنفيذ برنامجه الاصلاحي” خصوصا أن ما يرزحون تحت وطأته كفيل بتبيان آثار هذا البرنامج!، أو أن يسمعوا بأن رئيس الجمهورية جاء لاحداث التغيير الذي لن يتراجع عنه، في وقت يتمنى فيه اللبنانيون أن يعودوا الى ما كانوا عليه سابقا، إذا كان التغيير “الرئاسي” يُترجم بدولار مجنون وجوع وفقر يهددان الوطن.

كان ينتظر اللبنانيون أن يسمعوا الى ما يطمئنهم الى مستقبلهم والى ما يساعدهم على تأمين قوت يومهم، والى ما يعينهم على مواجهة كورونا سواء بدخول المستشفيات أو العثور على الأدوية المفقودة، والى ما يؤمن صمودهم في وطنهم المنكوب بسلطة سياسية فاشلة، والى ما يشكل خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة لا سيما بتشكيل حكومة.

إلا أن أخطر ما في الاجتماع، هو محاولة رئيس الجمهورية زج الجيش اللبناني بمواجهة مع الشعب عبر دعوته الى فتح الطرقات والايحاء بإستخدام القوة، في وقت بات فيه الجيش يشكو ويعاني أكثر من المواطنين المدنيين بفعل محاصرته سياسيا وماليا لكونه يحافظ على إستقلاليته ويرفض أن يكون آداة طيعة في يد أي فريق سياسي، وقد جاءت كلمة قائد الجيش العماد جوزيف عون أمس لتحاكي أوجاع اللبنانيين جيشا وقوى أمنية ومواطنين وتعبر عن تطلعاتهم ومطالبهم، وهي أكدت الثوابت المتعلقة بصيانة حرية التعبير وعدم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والتي لا يختلف عليها أحد..

بالأمس سأل قائد الجيش نيابة عن كل اللبنانيين وربما العالم المسؤولين السياسيين في لبنان: شو ناطرين؟.. والجميع ينتظر الاجابة.. فهل تأتي؟، أم أن فاقد الشيء لا يعطيه؟.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal