كلّ شيىء في لبنان يدلّ، هذه الأيّام، على أنّه يعيش المراحل الأخيرة من الإنهيار على كلّ الصّعد، وأنّه شمل كلّ شيىء تقريباً ولم يعد مقتصراً على جانب أو قطاع دون آخر، وأنّ هذا الإنهيار لم يأت صدفة أو في غفلة من الزمن، بل كان نتيجة تراكمات أخطاء ارتكبت في السّنوات والعقود الماضية، من غير أن تُعالج قبل استفحالها، أو أن علاجها لم يكن على المستوى المطلوب.
الإنهيار الدراماتيكي لسعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، والذي لامس نهاية الأسبوع الماضي عتبة الـ11 ألف ليرة، شكّل الحدث المالي الأبرز، الذي تسبّب في تراجع وانهيار القطاعات الإقتصادية والإنتاجية واحداً تلو الآخر، من الزّراعة إلى الصّناعة والسّياحة والخدمات، رافقها أزمات بطالة وركود وتضخّم غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث.
رافق ذلك إنهيار إجتماعي ومعيشي بالغ الخطورة، بعدما بات قرابة 70 % من سكّان لبنان فقراء أو يعيشون تحت خط الفقر، وتحوّلت عبارة لطالما قالها اللبنانيون: “يا حرام كيف يعيش هؤلاء على مدخول يومي يتراوح بين دولارين وثلاثة”، في إشارة إلى مستوى المعيشة في دول العالم الثالث، إلى واقع يعيشه اللبنانيون بكلّ تفاصيله، بعدما هبط الحدّ الأدنى للأجور، شهرياً، من 475 دولاراً إلى قرابة 65 دولاراً!
مروحة الإنهيار إمتدت أيضاً إلى الواقع السّياسي، وتمثّل في عجز الطبقة السّياسية الحاكمة على “التقليع” بحكومة الرئيس حسّان دياب المستقيلة، أو بتأليف حكومة جديدة كُلّف الرئيس سعد الحريري بتشكيلها منذ أكثر من 4 أشهر ونصف، من أجل وضع حدّ لهذا الإنهيار، لكن مشاورات التأليف ما تزال منذ ذلك الحين تدور في حلقة مفرغة، وسط تراجع لافت في شعبية القوى والتيّارات والأحزاب السّياسية ينذر بتغيير لافت في حضورها ونفوذها وتمثيلها بدأت معالمه تلوح في الأفق.
كلّ ذلك تزامن مع إنهيار إجتماعي بالغ الخطورة، بعدما ارتفعت صرخات الجوع والفقر والعوز، وترافق مع ارتفاع معدّل السّرقات والتعدّيات وفي تراجع الحدّ الأدنى من الأمن والإستقرار في مختلف المناطق، وفي تحوّل الهجرة و”الهروب” من البلد إلى حلم كلّ شخص وعائلة في بلاد الأرز.
هل هذا الإنهيار الذي يصاحبه منذ أكثر من سنة ونصف تقريباً، وتحديداً منذ اندلاع شرارة الحراك الشّعبي في 17 تشرين الأول 2019، توترات في الشّارع وإشكالات تحوّلت إلى هاجس الجميع بلا استثناء، يعني أنّ البلاد متجهة نحو انفجار لم تتضح معالمه بعد، بعدما باتت كلّ مقوماته ومستلزماته متوافرة؟
لم يعد خافياً أنّ البلاد، بعدما انهار فيها كلّ شيىء تقريباً، تتجه بسرعة قصوى نحو المجهول، وأنّ الإنفجار، الأمني والسّياسي والإجتماعي والمعيشي، هو الوحيد الذي ينتظرها، من غير توافر أية حلول ملموسة حتى الآن للجم هذا الإنفجار قبل وقوعه، لأنّ تداعياته كما تكلفته ستكون كبيرة جداً.
لكن هل الإنفراج المطلوب والمنتظر، ولو جزئياً، غير ممكن؟ تعوّد اللبنانيون منذ نشأة كيانهم قبل نحو 100 عام أن يعيشوا سلسلة أزمات لا تنتهي، فما إن تلملم أزمة ذيولها حتى تندلع أزمة أخرى تضع مصير البلد ككلّ في مهب ّالريح، قبل أن تولد فجأة تسوية معينة ومؤقتة تنهي الأزمة لكنها لا تقتلعها من جذورها، بل تبقى مثل لغم لا أحد يعرف متى ينفجر ولا كيف ولا ماذا سينتج عنه.
مواضيع ذات صلة: