سجال حول جنس الحكومة فوق جثّة وطن… عبد الكافي الصمد

بين مراوحة من جهة، وغيبوبة من جهة أخرى، بقي الوضع الحكومي رهين هاتين المتلازمتين منذ أكثر من أربعة أشهر ونصف، ولم تتقدم مشاورات تأليف الحكومة أي خطوة جدّية إلى الأمام برغم مضي كلّ هذه المدّة على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي.

خلال هذه الفترة تبيّن أنّ حجم التعقيدات الداخلية والضّغوط الخارجية أكبر من قدرة الحريري والقوى السياسية المحلية على تجاوزها بسهولة، برغم أنّ الرئيس المكلّف قد أعلن منذ الأيّام الأولى لتسميته أنّه سيشكل حكومة ستحكم لفترة زمنية محدّدة، هي 6 أشهر، بهدف تنفيذ إصلاحات ضرورية لإنقاذ الوضع الإقتصادي المتهالك من الإنهيار الذي وصل إليه، وتلبية لشروط المبادرة الفرنسية التي حدّدت شروطا معينة لـ”حكومة مهمّة” كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد حدّدها، حينما زار لبنان مرتين في غضون شهر، بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي.

لكنّ هذه المهلة التي حدّدها الحريري لحكومته الموعودة التي لم تبصر النور بعد، يبدو أنّه سيمضيها رئيساً مكلّفاً، من غير معرفة مصير تكليفه ولا مصير الحكومة المنتظرة، برغم تأكيده مراراً أنّه لن يعتذر عن التكليف، وهو أمر لا يخفي رئيس الجمهورية ميشال عون رغبته به، ما دفع بعض المتشائمين إلى توقع إستمرار الوضع الحكومي على حاله، بين حكومة مستقيلة برئاسة حسّان دياب تصرّف الأعمال، ورئيساً مكلّفاً ـ هو الحريري ـ لا يؤلّف الحكومة، حتى نهاية عهد عون الرئاسي عام 2022.

الصورة الملبّدة سياسياً وحكومياً التي تخيّم على البلاد، وسط أزمات ضاغطة جعلت مصيرها في مهبّ الريح، ظهرت مجدّداً يوم أمس في سجال سياسي بين الحريري من جهة، وعون وصهره رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل من جهة أخرى، تكراراً لمشهد سياسي متأزّم منذ انفراط عقد التسوية الرئاسية بين الطرفين، قبل نحو سنة ونصف، وجعلت هذا السّجال يشبه الجدل البيزنطي حول جنس “ملائكة” الحكومة المقبلة، فيما البلاد تغرق أكثر فأكثر في قعر لا تبدو نهايته.

هذا السّجال تجدّد أمس بعدما تسريب معلومات أن عون أبلغ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي يقوم بدور وساطة بين الطرفين، بأنّه غير متمسك بالثلث المعطّل، وسيكتفي بتسمية خمسة وزراء، إضافة إلى وزير لحزب الطاشناق في حكومة من 18 وزيراً، إنما أصرّ في المقابل على أن يحصل على حقيبة الداخلية؛ لكنّ المفاجأة كانت أنّ الحريري رفض إقتراح عون، لأنّه لا يريد تشكيل حكومة قبل أن ينال رضى السعودية.    

هذا التسريب دفع الحريري للرد، فنفى ما ورد فيه،  معتبراً أنّ “من يقف خلف تسريب مثل هذه المعلومات إنّما يهدف فقط إلى نقل مسؤولية التعطيل” من عون وباسيل إليه، مشدّداً في موقف لافت وغير مسبوق أنّه “لا ينتظر رضى أي طرف خارجي لتشكيل الحكومة، لا السعودية ولا غيرها”، ما دفع باسيل للردّ عليه معتبراً أنّه “غير جاهز لتشكيل الحكومة لأسباب خارجية معلومة”، ومتهماً إيّاه بأنّه “اخترع معضلة جديدة أمام تشكيل الحكومة، هي حجز التكليف ووضعه في جيبه والتجوال فيه على عواصم العالم لإستثماره”، وواصفاً الحكومة الموعودة بأنّها “مخطوفة”.

كلّ ذلك يحصل فيما أفواه الجياع في لبنان تكبر وتزداد يومياً، والعملة الوطنية تنهار على نحو خطير، والفقر يدقّ أبواب أغلب اللبنانيين الذين بات حلمهم يقتصر على تأمين كيس حليب أو عبوة زيت أو ربطة خبز لعائلاتهم، يدفعهم ذلك للتقاتل ليحصلوا عليها، على مرأى من الكبير والصغير في هذا البلد الذي يكاد يصبح جثّة هامدة، من غير أن يرفّ لأحدهم جفن.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal