سقطت بكركي في الحفرة التي أعدّها لها من كانوا يقاطعونها، لأنها كانت على مسافة واحدة من الجميع. حيث ساءهم ان الصرح عاد باحة للقاء المتخاصمين والمتباعدين، وفتح الحوارات باتجاه باقي الطوائف والمذاهب في الوطن. فانحصرت الدعوات لتحرك السبت في بكركي مدعومة فقط من جهات محددة، تمثلت بشكل فاقع بحزب القوات اللبنانية وفلول قوى الرابع عشر من آذار، وبعض الحراك الشعبي المعروفة مرابط خيله، ولذلك كان النفور واضحاً في تنظيم وإعداد المسرح وإطلاق المواقف المؤذية تجاه شركاء في الوطن. في حين وجّه غبطته الشكر لكلّ الذين نظّموا اللقاء وسخوا بمالهم ووقتهم وراحتهم!
فهل كان سيد بكركي الذي تشبث بالحياد مرتاحاً أن تُطلق عبارات: “إرهابي.. إرهابي، حزب الله.. إرهابي” من على بابه، ومن أي منطلق سيتم إستئناف الحوار الاسلامي – المسيحي الذي كان رائده في العديد من المراحل المفصلية؟ خصوصا أن الردود التي جاءت من المراجع الدينية للطائفة الشيعية لا تبشّر بإستيعاب ما حصل، لا بل قد تأخذ إلى منزلقات لم تسع إليها بكركي يوماً في تاريخها!.
وهل كان سيد بكركي الذي يُعد خرائط طُرق التدويل مقتنعاً أن ترداد هتافات: “بيروت حرّة حرةّ، إيران طلعي برّا”، سيتيح السبل لتحقيق المبتغى إذا تم إعلان الحرب على دولة محورية إقليمية؟
وهل كان سيد بكركي منشرحاً لدى رفع الأصوات برحيل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فوراً، وقبل سنتين من انتهاء ولايته، لأن ذلك سيساعد على “تقليل دور حزب الله في السياسة اللبنانية”؟ وهل هو أصلاً على استعداد للتراخي في هذه المسألة الحساسة مارونياً، أم سيعتمد الأسلوب الذي إعتمده أسلافه وآخرهم البطريرك الراحل نصرالله صفير الذي لم يوافق مطلقاًعلى تنحي الرئيس العماد إميل لحود قبل إنتهاء فترة ولايته؟
وهل اكتفى سيد بكركي بعدد الخمسة عشر الف الذين أموّا الصرح وفق ما أعلنه تأييداً لطروحاته، أم انه كان ينتظر حضور أربعة ملايين لبناني الى جوار بكركي المفترض أن تبقى مرجعاً لكل اللبنانيين وليس لفئة محددة منهم؟
واذا كان أحد نواب كتلة “الجمهورية القوية” قد حاول التنصل من بعض العبارات الاستفزازية التي أُطلقت حيث قال: “قيادة القوات لم توعز بتوجيه الشتائم الى حزب الله”، فإنه لم يُشر إلى الجهة الفاعلة. بينما البطريرك الراعي كان منصتاً! صحيح أنه “لم يسكتها ولم يؤججها” ولكنه كان يتوقف عن الكلام ليستمع إليها. وبمعنى آخر، أن الوافدين الى الصرح كانوا يسعون لإطلاق هتافاتهم بدون أي احترام لمقامه وخطابه، وكأن هناك من تعمّد المجيء الى الصرح لممارسة الفجور في إتجاهات محددة، وليس الإنصات لكبير الأحبار!
فلماذا ارتضى سيد بكركي ان يكون رأس حربة لمجموعات تراهن دائماً على الفشل، وغض الطرف عن أن تكون طروحاته جامعة؟ فاذا كان فعلاً يسعى “لحلول لكل لبنان ولكل لبناني ولبنانية”، فكان الأجدى إنتظار كل اللبنانيين كي يقفوا تحت نافذته!
بالأمس عَمِل غبطته على توضيح بعض المواقف التي اُطلقت من ساحة الصرح، مما حمل المراقبين على التذكير بأن هذا الأسلوب يَعتمده عدد لا بأس به من السياسيين اللبنانيين، في حين يجب على المرجعيات الدينية ان تكون خطاباتها حاسمة وجازمة إن كانت المواقف سوداء أو بيضاء!..
مواضيع ذات صلة: