تركت الدقائق الـ22 التي استغرقها خطاب رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، أمس، في الذكرى الـ16 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، إنطباعاً واسعاً بمختلف الأوساط، عن أنّ الجدار السميك من الخلافات بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون قد ازداد ارتفاعاً، وأنّ الهوّة بين الرئاستين الأولى الثالثة تتسع يوماً بعد آخر، وأنّ العلاقة بين الطرفين تعيش أزمة عميقة تحتاج إلى جهود جبّارة لمعالجتها وتجاوزها، بعد انعدام الثّقة بينهما إلى حدود الصفر.
التراشق السّياسي والإعلامي بين عون والحريري الذي بلغ مستوى غير مسبوق من التصعيد، وتجاوز “أدبيات” و”لياقات” العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة، ترجم يوم أمس وقبل أيّام على أرض الواقع، وأعطى مؤشّراً على تدنّي الخطاب السّياسي، وحتى الشخصي، بين مرجعيات رئيسية تعرف أنّ وصول الخطاب بينها إلى هذا الدرك، من شأنه أن يوتّر الوضع السّياسي والشّارع، ويدفع البلاد نحو المجهول.
فبعدما اتهم عون الحريري بـ”الكذب”، في 11 كانون الثاني الماضي، نافياً أن يكون الأخير سلّمه ورقة تتضمن تشكيلة حكومية، وذلك في مقطع فيديو مُسرّب بثته بعض وسائل الإعلام، وجرى تناقله على مواقع التواصل الإجتماعي، ردّ الحريري الدّين إلى عون في خطاب أمس، لافتاً إلى أنّ “كمية الكذب والإفتراء والخرافات التي رُميت منذ أن اختارني النواب لتشكيل الحكومة، لا تطاق، وأنا صبرت كثيراً، وانتظرت كثيراً، لأعطي فرصاً، ولا زلت أعطي فرصة، لكن الإفتراء صار كبيراً. والكذب بات لا يُحتمل”.
في خطاب أمس كشف الحريري بعض ما جرى خلال لقاءاته الـ16 مع عون، منذ تكليفه تأليف الحكومة في 22 تشرين الأوّل الماضي، من روايات ومعلومات متناقضة حول تشكيل الحكومة، عن تلك التي يقولها أو يسرّبها فريق رئيس الجمهورية، الذي ردّ مكتبه الإعلامي أمس على خطاب الحريري ببيان مقتضب، إتهمه بأنّ كلمته “ضمّنها مغالطات كثيرة وأقوالاً غير صحيحة”، في وقت كان فريق عون يشنّ حملة سياسية وإعلامية على الحريري بعد انتهائه من خطابه.
ما حصل أمس أعطى إشارة واضحة بأنّ الخلاف بين عون والحريري قد ذهب بعيداً إلى نقطة اللاعودة، وأنّ الوساطات المحلية لم تعد قادرة على تقريب وجهات النّظر بين الطرفين، وانّ تدخلاً خارجياً من “العيار الثقيل” وحده القادر على احتواء الأمور قبل تطوّرها نحو الأسوأ.
وبدا واضحاً أنّ الخلاف بين عون والحريري، حول تشكيل الحكومة تحديداً، قد طغى على ما عداه من مواضيع وملفات في خطاب الحريري يوم أمس؛ فكلمته التي ناهزت 1830 كلمة إستحوذ شدّ الحبال بين الطرفين حول الملف الحكومي على قرابة 75 % من كلمة الحريري، مقابل غياب ملفات أخرى عن خطابه الذي اعتاد فيه التطرق إليها بالمناسبة، حتى أنّه مرّ مرور الكرام على ملفات الإقتصاد والفساد والإصلاح وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وتراجع مستوى الخدمات.
بموازاة ذلك، فإنّ إرتفاع حدّة الكباش بين عون الحريري وتجاوزها الخطوط الحمراء، وسعي كلّ طرف لـ”فضح” مواقف الآخر على الملأ، طرحت تساؤلات حول ما إذا كان التصعيد بين الطرفين داخلي وشخصي فقط، أم أنّه نابعٌ من قرار خارجي يريد الذهاب بالبلد نحو وضع أشد تأزّماً ممّا هو عليه حالياً، ليصل إلى مرحلة يستطيع أن يفرض الخارج حينها على كلّ الأطراف رؤيته للحلّ، وخريطته للمخرج من الأزمات التي يحذّر جميع الأطراف في الداخل منها، لكنهم لا يفعلون شيئاً لمعالجتها.. أو حتى تلافيها.
مواضيع ذات صلة: