أربع زيارات إلى خارج لبنان قام بها الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري، سال حبر كثير حولها، وتضاربت المعلومات حول أهدافها والنّتائج التي أسفرت عنها، لكنّها أبقت المهمّة الأساسية المطلوبة من الحريري، وهي تشكيله الحكومة التي كلّف بتأليفها في 22 تشرين الأوّل من العام الماضي، تدور في حلقة مفرغة.
الإمارات كانت الدّولة الأولى التي زارها الحريري أكثر من مرّة، وكانت زياراته إليها يغلب عليه الطابع العائلي؛ ثم توجّه إلى تركيا في زيارة تداخلت فيها العوامل السّياسية مع مصالح الحريري في “بلاد الأناضول”؛ توجّه بعدها إلى مصر في زيارة أُعطيت أهمية أكبر من حجمها؛ وطرحت تساؤلات حول أيّ دور يمكن لـ”أرض الفراعنة” أن تلعبه في حلحلة الأزمات في لبنان؛ قبل أن يختم الحريري زياراته خارج لبنان بزيارة فرنسا، صاحبة المبادرة الشهيرة لتأليف حكومة في لبنان، وهي المبادرة التي أُجهضت في مهدها، تاركة “الأم الحنون” تجرّ وراءها أذيال الخيبة.
الزّيارة الأخيرة للحريري إلى العاصمة الفرنسية حظيت بالكثير من الإهتمام، ليس لأنّ فرنسا هي صاحبة المبادرة، بل لأنّ الحريري إلتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه أكثر من ساعتين، ومن هناك حاول مقرّبون من الحريري أن يعطوا الزّيارة إهمية إستثنائية، والإيحاء أنّ مخارج الأزمة الحكومة قد باتت بمتناول اليد، وأنّ ماكرون سيزور لبنان قريباً للمرّة الثالثة، منذ زيارته الأولى التي أعقبت إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، من أجل مواكبة الحلّ، والإشراف على تنفيذ بنود المبادرة، لكنّ مصادر مقرّبة من قصر الإليزيه أوضحت أنّ الرئيس الفرنسي “لن يزور لبنان ما لم تتقدم الأمور في البلاد ويتمّ تشكيل حكومة”.
لكن زيارات الحريري وجولاته الخارجية لا يمكنها أن تشكّل مفتاحاً له يساعده في فتح أقفال تأليف الحكومة المقفلة، وهو يدرك ذلك جيداً، كما يعرف قبل غيره، داخل لبنان وخارجه، أنّ مفتاح حلّ الأزمة الحكومية يوجد في مكانين فقط لا ثالث لهما.
المكان الأوّل هو قصر بعبدا، حيث أنّ لقاءه برئيس الجمهورية ميشال عون، وتفاهمه معه حول شكل الحكومة المقبلة يعتبر أساسياً في هذا السّياق، ويدرك الحريري أنّ آخر لقاء جمعه مع عون في 23 كانون الاوّل العام الماضي، وهو الـ14 بينهما منذ تكليفه، حصل بعده إنقطاع تام بين الرّجلين، وهذا امرٌ غير منطقي بين طرفين يعتبران، من النّاحية الدستورية، وحدهما المعنيان بتأليف الحكومة، وأنّ لقاءات الحريري الخارجية، شرقاً وغرباً، لن تمنحه الحلّ، ولن تشكّل له بديلاً.
أمّا المكان الثاني فهو المملكة العربية السعودية، الرّاعي والحاضن السّياسي الرئيسي للحريري، منذ أيّام والده، وأنّ السّعودية التي ساءت علاقتها بالحريري مؤخراً، وعلى وجه التحديد منذ احتجازه قسراً فيها 14 يوماً في تشرين الثاني عام 2017، لم يفلح في تصحيحها منذ ذلك الحين، وتحديداً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأنّ رفع السعودية الغطاء السّياسي عن الحريري، وعدم رضاها عن أدائه السّياسي، هو ما يجعله مكبّلاً، الأمر الذي دفع كثيرين إلى رسم “طريق” الحريري للوصول إلى محطة تأليف الحكومة، وهي: عندما يزور الحريري السعودية، ويلتقي بن سلمان، فإنّ ذلك يعني أنّ الضوء الأخضر لتأليف الحكومة قد أُعطي له، وإلّا لا حكومة ولا من يُؤلّف ولا من يُؤلّفون.
مواضيع ذات صلة: