لم يعد لبنان يمتلك ترف الوقت، فحلقات الأزمة تضيق وتشتد، والليرة الى مزيد من الانهيار، والجوع يحاصر المواطنين، والبطالة تهدد مستقبلهم، وكورونا يستشرس ويقتلهم، والفوضى الشاملة تهدد المجتمع بتنفيذ أجندات محلية أو إقليمية أو دولية، فيما المعنيون بتشكيل الحكومة ينتظرون كل شيء من الخارج بدءا بحل نزاعاتهم وتحقيق مصالحهم وتليين مواقفهم المتصلبة، مرورا بإيجاد الغطاء الاقليمي والدولي لحكومتهم، وصولا الى تأمين المساعدات الدولية لانقاذ بلدهم.
عاد سعد الحريري من باريس الى بيروت بعد عشاء جمعه مع الرئيس إيمانويل ماكرون، لكن الحل الحكومي بقي معلقا على أسوار بعبدا، بإنتظار أن يحمل الحريري تشكيلة جديدة تراعي وحدة المعايير التي تبقي جبران باسيل في المعادلة السياسية، في وقت تتجه فيه الأنظار الى ذكرى إستشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط وما سيقوله الحريري في هذه المناسبة وهل سيلجأ الى التصعيد الكامل والتمسك بشروطه من الـ 18 وزيرا الى الاختصاصيين وفقا للمبادرة الفرنسية، أم أنه سيترك أبواب التفاوض مفتوحة بإنتظار نتائج زيارة الرئيس ماكرون الى الامارات والسعودية.
بالرغم من كل الأزمات التي ترخي بثقلها على البلاد والعباد، فإن أحدا لا يبدو مستعجلا على تشكيل الحكومة، فحزب الله يحرص على الرئيس ميشال عون بغض النظر عن كل الاجتهادات السياسية حول تفاهم مار مخايل، وهو يدرك أن لبنان ليس في أولويات المعنيين بشؤون المنطقة، وأنه يأتي ترجمة لسياسات ولا تُبنى فيه سياسات، ويرى أن إعتماد سياسة النفس الطويل الى حين حصول الانعطافة الاقليمية المنتظرة في المنطقة من شأنه أن يمنحه مزيدا من المكاسب.
والرئيس عون يخوض معركته الأخيرة لتحقيق طموحات جبران باسيل، وبالتالي فإن تأخير ولادة الحكومة يبقى أمرا ثانويا أمام أهمية تمديد عهده بايصال صهره الى الرئاسة وحماية تياره السياسي في أي إستحقاق مقبل.
أما الرئيس الحريري فبات معلوما أنه غير مستعد لتشكيل أي حكومة من دون أن يحصل على ضوء أخضر سعودي لا يبدو حتى الآن أنه تم تجيهزه للانارة، وهو ينتظر أن يقنع ماكرون القيادة السعودية بتغطيته، فإذا نجح في تليين موقفها فإن الحكومة قد تسلك طريقها جديا نحو الولادة، وإذا أصرت السعودية على رفض مشاركة حزب الله فيها، فإن عملية التأليف ستطول أكثر فأكثر، خصوصا أن بعض مهنئي السفير وليد البخاري بسلامة العودة خرجوا بانطباع بأن السعودية لا تزال غير معنية بلبنان طالما حزب الله ممثلا في الحكومة، بالتزامن تؤكد مصادر متابعة أنه لا يمكن عزل حزب الله على المستويين الشعبي والتمثيلي، وبالتالي فإن الحل ينتظر معجزة في زمن لم يعد فيه معجزات.
أمام هذا الواقع، يبدو بالشكل أن ثمة حيوية سياسية يشهدها لبنان من خلال عودة بعض السفراء العرب، وزيارة نائب رئيس حكومة قطر وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، والحديث عن إرسال موفد فرنسي للقاء المسؤولين اللبنانيين، لكن في المضمون فإن كل هذه الحيوية عبارة “جعجعة من دون طحين”، فدول الخليج لم تبدل من موقفها تجاه لبنان، والموفد الفرنسي لن يأتي إلا في حال دخول تشكيل الحكومة حيز التنفيذ عندها ستكون زيارته تمهيدا لزيارة الرئيس ماكرون لتتويج جهوده بنجاح مبادرته.
أما الموفد القطري فخيّب كل الآمال التي بنيت على زيارته، بعدما تبين أنه جاء ليُدخل لبنان في إصطفاف جديد والتصويت ضد مصر في إنتخابات أمين عام جامعة الدول العربية، كما لم يعلن عن إمكانية تقديم قطر أية مساعدات للبنان إلا وفقا للشروط الغربية، وبالتالي عدم تقديم أموال وإنما مشاريع إستثمارية تحتاج الى فترات زمنية طويله لتظهر نتائجها الايجابية على البلد الذي يحتاج الى مساعدات مالية عاجلة.
في غضون ذلك، بات واضحا أن الدولة باتت في حالة موت سريري فلا هيبة لها على المواطنين ولا قراراتها قابلة للتنفيذ، فيما المؤسسات تأخذ بالتحلل، وصولا الى عدم قدرتها على شراء اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا، وأنها تتجه للاستدانة من البنك الدولي للقيام بذلك.
في المقابل، هناك رئيس جمهورية يكتفي باصدار البيانات التي تعلن غير ما يُضمر، وهناك رئيس مكلف يجول بالتكليف في بلاد الله الواسعة، وهناك حكومة تصريف أعمال في “الكوما”، علما أن الحكومة لم يصدر قبول إستقالتها، وتصريف الأعمال يدخل ضمن إطار تسيير شؤون الدولة والمؤسسات وهذا الأمر لا يحصل ما يزيد الطين بلة في تخلي الدولة عن القيام بواجباتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ما يفتح الباب أمام إمكانية حصول فوضى شاملة قد لا تنتظر ترتيب ملفات المنطقة، وقد تسبق هواجس عون وطموحات باسيل وشروط الحريري، وتذهب بالبلد الى ما لا يحمد عقباه، وعندها ″ليت ساعة مندم″.
مواضيع ذات صلة: