بايدن يُخيّب آمال اللبنانيين.. وأوهامهم… عبد الكافي الصمد

خيّب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الكثير من المراهنين عليه، في لبنان خصوصاً وفي منطقة الشّرق الأوسط على وجه العموم، عندما تجاهل المنطقة برمتها أثناء خطابه الأوّل الذي ألقاه يوم الخميس الماضي في الرّابع من شهر شباط الجاري، بشأن السّياسة الخارجية التي سيتّبعها في عهده.

عندما فاز بايدن في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في 3 تشرين الثاني من العام الماضي، ذهب الكثير من اللبنانيين، ومعهم الشرق أوسطيين، في أحلامهم حدّ أنّ بايدن وفور تسلّمه مهامه في 20 كانون الثاني الفائت، سيضع ملف لبنان ومعه ملفات المنطقة على الطاولة، تمهيداً لتناولها ومعالجتها تباعاً وسريعاً، وأنّ أغلب ملفات لبنان والشرق الأوسط ستحلّ في اليوم التالي.

لم يتعلم اللبنانيون، ومعهم الشرق أوسطيين، منذ دخول الأميركيين للمنطقة وبسط نفوذهم فيها بعد الحرب العالمية الثانية، أنّ الإدارة الأميركية لا يهمّها من كلّ الشرق الأوسط، بما فيه لبنان، سوى أمرين: مصالحها التي يأتي النّفط على رأسها، وأمن إسرائيل، وهي مقولة ردّدها على نحو دائم مسؤولون في البيت الأبيض منذ قرابة 70 عاماً، لكن المسؤولين في المنطقة ولبنان طبعاً، كانوا دائماً يصنعون أوهاماً وردية لا يوجد أساس لها من الواقع سوى في مخيلاتهم النرجسية البائسة والمريضة، وتضخيم الذات، كما حصل مع الضفدعة التي حاولت تصوير نفسها على أنّها بحجم الثور كما تروي “الأساطير” الشهيرة للكاتب الفرنسي جان دو لافونتين.

ففي خطابه المذكور تجاهل بايدن الشرق الأوسط برمته، من ملف إيران النوّوي، إلى اتفاقات التطبيع الإسرائيلية – العربية، إلى الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، إلى غيرها من الملفات، منها ملف بلد الأرز الذي يتوهم بعض مسؤوليه أنّه “عاجق” الكون، ذلك أنّه باسثتناء إشارته اللافتة التي توقف عندها كثيرون إلى ملف اليمن، كانت ملفات آسيا الحاضر الرئيسي في خطابه حيال السياسة الخارجية، وتحديداً التحدّيات التي تواجهها الولايات المتحدة مع كلّ من روسيا والصين والركود الإقتصادي، ما أعطى إشارة على درجة من الأهمية بأنّ آسيا ستكون في صدارة إهتمامات الإدارة الأميركية الجديدة، على حساب ملفات كثيرة بمن فيها ملف الشرق الأوسط.

تجاهل بايدن ملفات الشرق الأوسط لا يعني أنّ الإدارة الأميركية سوف تنسحب من المنطقة وتتركها لخصومها، أو لأبنائها كي يتخبّطون فيها ويهيمون على وجوههم، إنّما لن تحتل المنطقة صدارة إهتمامات “العم سام”، وأنّ إدارة بايدن لن توفّر أيّ فرصة من أجل عقد أيّ تسويات أو صفقات مع قوى إقليمية ودولية وازنة من أجل معالجة وحلّ ملفات كثيرة شائكة في المنطقة، تحفظ فيها واشنطن مصالحها بالدّرجة الأولى، وهي سياسة لطالما إتّبعتها الإدارة الأميركية، ولو جاء ذلك على حساب من يعتبرون أنفسهم حلفاء لها، أو هكذا يظنّون.

الأوهام التي تسكن رؤوس البعض في لبنان حول حجم اهتمام الإدارة الأميركية ببلدهم، وتحديداً مِن قِبل مَن يعتبرون أنفسهم حلفائها المقربين، فسرته على نحو صريح ومخيّب لهؤلاء الحلفاء السّفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، إذ نُقل عنها قولها إنّ “بعض السّياسيين والإعلاميين اللبنانيين يفترضون أنّنا نعمل عندهم، وأنّهم هم الذين يرسمون سياستنا، إلى درجة أنّ هذا الأمر أصبح موضع تندّر من قِبل الديبلوماسيين المعنيين بدائرة لبنان وسوريا في الخارجية الأميركية، خصوصاً عندما كان هذا البعض يقرّر بالنيابة عنّا العقوبات ويختار توقيتها، ويحدّد أسماء الشخصيات التي ستُعاقَب ويستبعد أخرى”.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal