يسعى البطريرك الماروني بشارة الراعي الى إعادة بث الروح في المبادرة الفرنسية من خلال الجهود الحثيثة التي يبذلها في سبيل جمع الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري والضغط عليهما بعظات الأحد للوصول الى قواسم مشتركة تفرج عن التشكيلة الحكومية، لكن هذه الجهود تبوء بالفشل نتيجة التصلب في مواقف الرئيسين، وتعرّض المبادرة الفرنسية لضربتين قاسيتين سعودية وإيرانية.
تقول المعلومات أن الفرنسيين تقدموا باقتراح يقضي بجمع الرئيس الحريري والنائب جبران باسيل سرا أو علانية، سواء في السفارة الفرنسية في بيروت أو في باريس، إنطلاقا من قناعتهم بأنهم إذا نجحوا في حل الخلاف القائم بينهما فإن ذلك سينعكس إيجابا على عملية التأليف ويسرّع في إنجازها.
الاقتراح الفرنسي الذي تبناه البطريرك الراعي وعمل عليه سرا من خلال موفدين إصطدم بعدم رغبة الحريري وباسيل على حد سواء بعقد اللقاء نتيجة للطلاق الواقع بينهما، ما دفع الفرنسيين الى التحرك بإتجاه السعوديين حيث تمنى الرئيس إيمانويل ماكرون على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مساعدة لبنان وعدم تركه ينهار، إلا أن بن سلمان تمسك برفضه لأي حكومة يتمثل فيها حزب الله، مؤكدا أن السعودية لن تساعد من ينتهج التحالف مع من يحاربها ويسعى الى زعزعة استقرارها.
في غضون ذلك، يبدو واضحا أن العلاقات الفرنسية ـ الايرانية تتجه نحو مزيد من التأزم على خلفية الملف النووي وتخلي الايرانيين عن الأوروبيين لمصلحة المفاوضات المنتظرة مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، وهي ترجمت بالسجال الساخن الذي حصل بين وزيري الخارجتين جان إيف لودريان ومحمد جواد ظريف، الأمر الذي سينعكس سلبا على بعض الملفات المشتركة، وخصوصا الملف اللبناني الذي لن يقدم الايرانيون فيه أية تسهيلات أمام المبادرة الفرنسية.
بذلك، تكون المبادرة الفرنسية قد تلقت ضربتين قاسيتين من الدولتين الأكثر تأثيرا في الملف اللبناني وهما السعودية وإيران، فلا الأولى ستغض الطرف عن الحريري في حال شكل حكومة بمشاركة ممثلين عن حزب الله، ولا حزب الله سيسير عكس الرغبات الايرانية في عدم التجاوب مع الفرنسيين.
أمام هذا الواقع، أعاد البطريرك الراعي الأمور الى الداخل اللبناني بالتمني على رئيس الجمهورية دعوة الرئيس المكلف الى لقاء مصالحة يتم خلاله البحث في إعادة النظر بالتركيبة الحكومية تمهيدا لأن تبصر النور، لكن هذا التمني ما يزال يصطدم برفض فريق العهد الذي يُقنع الرئيس عون بعدم جدوى اللقاء إلا في حال حصل على الثلث المعطل والوزارات الأمنية، كما لا يلقى التجاوب من الرئيس الحريري الذي يعتبر أنه قام بواجبه الدستوري وقدم تشكيلة حكومية من المفترض أن يبت رئيس الجمهورية بأمرها.
تقول مصادر سياسية مطلعة: إن الاشتباك الاقليمي، المعطوف على إنعدام المسؤولية الوطنية من قبل المعنيين بتأليف الحكومة، والتمسك بمطالب أقل ما يقال فيها أنها تافهة أمام حجم التحديات التي تواجه اللبنانيين صحيا وإجتماعيا وإقتصاديا، سيؤدي الى تسريع الانهيار على وقع تفشي كورونا وعدم القدرة على مواجهته، والفوضى الشعبية الحتمية بعد رفع الدعم الآتي لا محال طالما أن التجاوب مع المبادرات معدوم، والجمود الحكومي مستمر ومؤسسات الدولة تتجه نحو التحلل، وبالتالي فإن الارتطام الكبير المنتظر بات وشيكا جدا، وعندها سيجد لبنان نفسه أمام إنهيار شامل وتوترات غير مسبوقة، قد تجلب وصايات لن يستطيع أحد مواجهة أجنداتها!.
مواضيع ذات صلة: