الخيط الرفيع الذي يربط عادة بين آداء المسؤول واهتمامات المواطن تحوّل في لبنان إلى هوّة سحيقة لا يمكن تقدير عمقها وتداعياتها الاّ عندما تبدأ جهة ما (ما تزال مجهولة) بإخضاع المسؤولين والسياسيين إلى المحاسبة، وفق قواعد نقية لفرز زؤان الفساد الذي عشعش في مختلف زوايا الدولة اللبنانية، وحوّلها من دولة تسعى لإرساء نفسها في مصاف الدول النامية، إلى دولة “مارقة فاشلة” سرقت أموال شعبها ودفعتهم للفقر والجوع، ناهيك بما حلّ بهم من أوبئة!
فاللبنانيون بكل طوائفهم ومذاهبهم لا يعيرون أهمية بما يصدر من قرارات عن مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور كبار المسؤولين،(طالما الحكومة مستقيلة) لأن ما يجري تطبيقه على الأرض بعيد جداً عن مضمون تلك القرارات، وكأن الرعيان في وادٍ والقطعان في وادٍ آخر.
واللبنانيون يشعرون بضجرٍ ويأس من إجتماعات المجلس النيابي ولجانه المشتركة والفردية لأن ما يسمعونه من مطولات وآراء لا يرونه منفذاً على أرض الواقع، فحيناً بسبب أن الحكومة لا تُصدر الآليات التطبيقية لتلك القوانين، أو “تنقعها” في جواريرها البالية لغاية في نفس يعقوب. (وآخر المعطيات تفيد بأن هناك أكثر من سبعين قانون صادر عن مجلس النواب لم يجدوا طريقهم للتنفيذ، ولعل أبرزها تثبيت المتطوعين في الدفاع المدني منذ سنوات”.
اللبنانيون يصنفّون أنفسهم وكأنهم يعيشون في “حارة كل مين إيدو ألو”، لأن السلطة التنفيذية المتمثلة اليوم بحكومة مستقيلة برئاسة الدكتور حسّان دياب تشكو أمامهم بأن قراراتها يتعثر تنفيذها لألف سبب وسبب، إن لم يكن هناك قوة خفية تعرقل ذلك التنفيذ للإيحاء بأن هذه الحكومة لا تحسن إدارة أمور البلاد.
واللبنانيون لا يلمسون أن رئيس الحكومة المكلف النائب سعد الحريري منذ نحو ثلاثة أشهر “مستقتل” على تشكيل الحكومة التي يعوّل عليها اللبنانيون، فيما يتابعون بسخرية تفاصيل إجازاته العائلية وتفتيشه عن حلول لإزماته المالية.
واللبنانيون غير ممتنين لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على ما يتردد أنه يضع العراقيل والشروط أمام تشكيل الحكومة كما حصل في حكومات سابقة مهدداً تارة بالفدرالية وتارة أخرى بطرح مشاريع قوانين لتعديل إتفاق الطائف وإصلاح ثغراته. بدون التوقف عند شدّ الحبال القائم بينه وبين رئيس تيار المستقبل، بعد فترة من شهر عسل على حساب معظم اللبنانيين.
وبقية السياسيين ليسوا أفضل وقعاً على مسامع اللبنانيين، باستثناء قلةٍ قليلة لم تتلوث في ما حصل من فساد في لبنان ولكنها غضت الطرف عن الفاسدين والمفسدين لهذه العلّة أو تلك، ولذلك كله يتطلع أبناء الوطن إلى “مخلّص” أو “منقذ” ولكن يبدو أن الأفق مقفل إلى أجلٍ غير واضح.
مواضيع ذات صلة: