بالرغم من الأزمات التي ترخي بثقلها على العهد الذي بات بحاجة ماسة الى عملية إنقاذ يستطيع من خلالها تغطية الفشل الذي سيطر عليه منذ إنطلاقته، يصر الرئيس ميشال عون على إستعادة كل تجاربه السابقة مع الرئيس سعد الحريري في عملية تشكيل الحكومة.
في العام 1989 وعندما كان عون رئيسا للحكومة العسكرية ومعارضا لاتفاق الطائف، وقف ضد إنتخاب رئيس للجمهورية، حيث قال في حينها “لن ينتخب النواب رئيسا حتى يصبح طلال المرعبي رئيسا للسن”، ما إضطر النواب في حينها الى إنتخاب الرئيس رينيه معوض في مطار القليعات، ومن بعد إغتياله إنتخبوا الرئيس إلياس الهراوي في بارك أوتيل شتورة.
بعد عودته من منفاه الباريسي ودخوله معترك الحياة السياسية مجددا رئيسا لتكتل الاصلاح والتغيير، رفع عون شعار “لعيون جبران ما تتشكل الحكومة”، فكان الصهر وعمليه إرضائه بالحقائب التي يرغب بها تارة وبالثلث المعطل تارة أخرى السبب الرئيسي لتأخير تشكيل الحكومات والذي كان يتراوح من خمسة الى تسعة أشهر.
اليوم لم يعد سرا أن الرئيس عون يرفض أن يكون سعد الحريري رئيسا للحكومة، ويعمل ما بوسعه على عدم تمكينه من تأليف الحكومة التي يحجز تشكيلتها في أدراج مكتبه في قصر بعبدا، في حين أن الحريرى المدرك لتوجهات عون يتمسك بالتكليف ويضع ورقته في جيبه الى أجل غير مسمى، وهو حتى إن لم ينجح في التأليف، فإنه يصر على أن يكون ممثل الطائفة السنية على أي طاولة قد تعقد للحوار أو للبحث في كيفية الخروج من الأزمة.
تشير مصادر سياسة مطلعة الى أن عون وبعد سلسلة إجتماعات عقدها مع فريقه برئاسة جبران باسيل، قرر التصدي بشكل علني للحريري بتطيير التشكيلة التي قدمها، وبوضعه أمام خيارين، فإما أن يقبل بحكومة من 20 وزيرا تتضمن الثلث المعطل أو الوزارات الأمنية والعدلية لصالح صهره باسيل بما يثبت وجوده في المعادلة السياسية في حال حصول أي فراغ طارئ، أو أن يعتذر عن التأليف كون رئيس الجمهورية لن يوقع مرسوم أي حكومة لا تتوفر فيها شروطه التي يشيع فريق العهد أنها تلقت مؤخرا دعما كافيا من حزب الله.
أما الحريري فيرد بالغياب واللامبالاة حيث يستمر في تمضية إجازته العائلية في دبي، ويكتفي مكتبه الاعلامي بالرد على إتهامات باسيل من خلال تكتل لبنان القوي بالتعطيل وعدم تحمل المسؤوليات.
الخلاف المتمادي بين عون والحريري يؤشر الى أن مأزق التأليف طويل جدا، وأن العناد هو اللغة التي ستسود بينهما، ضاربين بعرض الحائط كل الأزمات التي تثقل كاهل اللبنانيين، والانهيارات التي تشهدها البلاد وتؤدي الى تحلل مؤسسات الدولة، ومتناسين أن الدولار لامس سقف التسعة آلاف ليرة، وأن كورونا بدأ يفتك بالمواطنين، وأن البطالة تضاعف من المعاناة والمآسي، وصولا الى الفقر والجوع والمرض وفقدان الأدوية، إضافة الى تداعيات إنفجار مرفأ بيروت.
أمام هذا الواقع يبدو أن النداءات التي أطلقها البطريرك بشارة الراعي في عيد الغطاس من أجل عقد لقاء مصالحة بين عون والحريري كانت من دون فائدة، خصوصا أن الراعي العاتب على الرجلين، يتلقى العتب نفسه من عون لعدم تحميل مسؤولية التعطيل للحريري، ومن الحريري لعدم تحميله مسؤولية التعطيل لعون.
علما أنه وكما جرت العادة في تجارب عون السابقة، عندما يصب موقف البطريرك الماروني في مصلحته يسير به وتصبح بكركي المرجع الصالح، وعندما يتعارض الموقف البطريركي مع مصلحته يصبح التجاهل سيد الموقف، وتصبح بكركي هدفا وربما البطريرك أيضا، كما حصل في العام 1990 مع البطريرك الراحل نصرالله صفير عندما كان داعما لاتفاق الطائف الذي ما يزال عون يحاربه حتى اليوم.
مواضيع ذات صلة: