ثبت بالوجه الشرعي، أن الرئيس نجيب ميقاتي لم يكن مخطئا عندما رفض إنتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، إنطلاقا من قناعته التي عبر عنها صبيحة يوم الانتخاب في 31/10/2016 أمام مجلس النواب، حيث أكد للصحافيين أن ″عون ليس الخيار السليم الذي يمكن أن يجمع اللبنانيين أو أن يكون الحكم بينهم، وأن إنتخابه سيحول البلد الى متاريس سياسية، وسيفتحه على مسلسل من الانقسامات والتوترات″، كما إعتبر أن ″إنتخابه خطوة إنتحارية، وكل من يريد أن ينتحر، فلينتحر لوحده، لا أن يأخذ البلد معه الى الانتحار″..
كلام ميقاتي عاد الى الواجهة السياسية، عبر الزميلة رنيم أبو خزام التي ذكّرت الرئيس ميقاتي به، خلال إستضافتها له في مقابلة خاصة على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال LBCI، ليتبين أن ميقاتي كان منذ أربع سنوات يستشرف نتائج إنتخاب الرئيس عون، ويخشى أن يصل اللبنانيون الى ما وصلوا إليه اليوم وما يمكن أن يصلوا إليه لاحقا.
في إطلالته التلفزيونية، وضع الرئيس ميقاتي النقاط على الحروف، وضرب في السياسة بيد من حديد مغلفة بقفاز من المخمل، فإعتمد “الانتقاد الناعم” الذي يصوب وربما يوجع لكن من دون أن يجرح، ورسم خارطة طريق واضحة المعالم فيها من الرسائل أن المصلحة الوطنية العليا يجب أن تكون هي الفيصل في الآداء السياسي، وأنه آن الأوان أن يعي البعض عقم المقاربات السياسية الضيقة والمصالح الشخصية، وأن الأوطان لا تبنى بالكيدية السياسية، وأن الاتهامات التي تطاله سياسية بإمتياز ومعلبة ومعيبة وأنه مصر على تأخذ مجراها القانوني حتى النهاية، إنطلاقا من ثقته بالقضاء الذي نسج فوقه شبكة أمان برفض تسييسه كونه الحصن الأخير للبنانيين.
وفي هذا الاطار قدم ميقاتي شرحا وافيا لا لبس فيه حول قضيتيّ القروض والخليوي، من المفترض أن يضع حدا لكل من يريد إستخدامهما بهدف الافتراء عليه أو تنفيس حقد ضده.
لم يتوان ميقاتي عن الغوص في القضايا السياسية الحساسة، من “تصرف الرئيس عون كرئيس للتيار الوطني الحر، وتصرف رئيس التيار الوطني الحر كرئيس للجمهورية”، الى المحاولات الرامية لضرب إتفاق الطائف الذي بنى ميقاتي سور أمان حوله رافضا بمنطق رجل الدولة الممثل لشريحة شعبية وازنة من المكون السياسي الأساسي في البلد، أن يصار الى تعديله في ظل إختلال موازين القوى.
لا شك في أن هذا التمثيل الشعبي الوازن (الأول سنيا في لبنان بالانتخابات النيابية الماضية) يجعل ميقاتي مرشحا دائما وأكثر من طبيعي لرئاسة الحكومة، لكنه لن يقدم حاليا على هذه الخطوة، إلا إذا تأكد بأن الظروف مؤاتية للنجاح ولتأليف حكومة منتجة، خصوصا أنه سبق وأعلن بأن “التعايش بين عون وأي رئيس للحكومة مستبعد”.
دائما وكعادته دافع الرئيس ميقاتي عن موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها أيا يكن الرئيس، ما يعني أن دعمه للرئيس سعد الحريري يأتي من هذا المنطلق وليس من أي منطلق آخر، وهو لم يوفره من الانتقاد، وأن حضوره في منصة رؤساء الحكومات كمدماك أساسي هو ترجمة لموقفه السياسي في الدفاع عن الطائف ورئاسة الحكومة.
في إطلالته الاعلامية، كان ميقاتي منسجما مع نفسه ومع محيطه، فسمى الأشياء بأسمائها، وبدا واضحا في ثباته على المبادئ والمسلمات وعدم التراجع عن المواقف التي أثبتت التجارب أنها تستشرف أفقا واسعا من السياسة اللبنانية، وتميل كل الميل لخدمة أهله وناسه في طرابلس التي تشكل البوصلة بالنسبة له.
مواضيع ذات صلة: