فتح يوم 31 تشرين الأول من العام 2016 تاريخ إنتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، أبواب لبنان على الأزمات التي إستقرت فيه وأخذت تتوالد لتتحول الى كوارث ومآس، وذلك بعد تحالف ″هجين″ من تفاهم معراب الى التوافق مع سعد الحريري، أفضى الى تسوية رئاسية ما لبثت أن إنهارت بعدما صدّعتها أنانيات السياسة، وشهوة السلطة، والعمل على قاعدة ″ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم″.
وفى حزب الله بالتزاماته مع ميشال عون وعبّد له طريق قصر بعبدا، بعد نحو سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي، ما أثار غضب كثير من الدول المعنية بالملف اللبناني من أميركا وأوروبا وصولا الى دول الخليج وعلى رأسها السعودية التي ″فشت خلقها″ بسعد الحريري عندما إحتجزته وأرغمته على الاستقالة في 4 تشرين الثاني عام 2017.
هذا الغضب ترجم حصارا للعهد وحلفائه وفي مقدمتهم حزب الله، ويبدو أن قرارا خارجيا إتخذ بعدم إراحته، أو السماح له بأن يحكم، وذلك من خلال تضييق الخناق على اللبنانيين إقتصاديا وماليا بما يؤدي الى إرهاقهم في أزمات من البطالة والفقر وإرتفاع سعر صرف الدولار والغلاء الفاحش، وإنهاك المؤسسات الطبية والاستشفائية، ويبدو أن من إتخذ هذا القرار ما يزال قادرا حتى الآن على حمايته وتنفيذ مندرجاته.
لكن يمكن القول، إن سلوك العهد من رئيس الجمهورية الى صهره جبران باسيل الى سائر أركان فريقه، وفّر كثيرا من الجهد على كل من يريد في الخارج دوليا وعربيا أن يشغله أو يضعفه بالأزمات المتتالية، فبادر هو الى إشغال وإضعاف ومحاصرة نفسه بحرب إلغاء سياسية خاضها ضد إتفاق الطائف والدستور، وضد صلاحيات رئاسة الحكومة من تأخير الاستشارات الى التوافق على التأليف قبل التكليف، وإخضاع رئيس الحكومة لاختبارات قبل تسميته، وما الى ذلك من إنتهاك لموقع الرئاسة الثالثة ما أثار غضب السنة في لبنان، وصولا الى مخاصمته الى حدود العداء مع سعد الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وسليمان فرنجية وأمانة 14 آذار وبعض مكونات 8 آذار، إضافة الى أكثر من نصف الشعب اللبناني الذي لم يمر عليه أسوأ من السنوات الأربع الماضية حتى في عز الحرب الأهلية.
كل ذلك، جعل عهد ميشال عون يتسم بالفراغ الذي صنعه فريقه برئاسة جبران باسيل الذي دخل بقوة على خط تشكيل الحكومات وخاض معارك التأليف بشعارات المعايير والميثاقيات وحقوق المسيحيين، محاولا المضاربة على رئيس الحكومة بالحصول على ثلث معطل أو على الوزارات الوازنة لوضع يده على السلطة وتمرير أو تعطيل ما يحلو له من قرارات، ما جعل الحكم الفعلي لعهد عمه في أربع سنوات يتقلص الى نحو سنتين وستة أشهر فقط، حيث أمضى العهد نحو سنة وستة أشهر في حكومات تصريف الأعمال يضاف إليهم شهري ما بعد الأربع سنوات (تشرين الثاني وكانون الأول 2020) أي ما يقارب سنة وثمانية أشهر من التعطيل بإنتظار تشكيل الحكومات على مقاس رئيس التيار الوطني الحر.
إنتخب الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول 2016، وبعد ثلاثة أيام من إنتخابه تم تكليف الرئيس سعد الحريري الذي كان المساهم الأكبر في وصول عون الى بعبدا، بتشكيل الحكومة، وبعد شهر ونصف الشهر من المشاورات أبصرت الحكومة النور وإستمرت نحو سنة وخمسة أشهر، حيث إستقالت حكما مع صدور نتائج الانتخابات النيابية في 6 أيار 2018.
بعد الانتخابات، كلف الرئيس ميشال عون مجددا الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة العهد الأولى كما أحب أن يسميها في إشارة الى بدء عهد الانجازات، لكن تشكيلها إستمر نحو تسعة أشهر لتولد في 31 كانون الثاني 2019، ولتبدأ عملها بتجاذبات بين الحريري وباسيل الذي سعى الى فرض همينته، ثم تسبب في تعطيل أعمال الحكومة قرابة شهرين على خلفية حادثة قبرشمون في جبل لبنان، مستخدما بذلك الثلث المعطل الذي جاء تأخير ولادة الحكومة بسببه.
مع إنطلاق ثورة 17 تشرين الأول 2019، بدأت الحكومة تترنح على وقع غضب الشارع، فقدم الحريري إستقالته في 10/29 /2019.
بعد شهر و21 يوما على الاستقالة ومن تأخير الاستشارات وفرض عرف التوافق على التأليف قبل التكليف، أي في 19/12/2019 كلف الرئيس عون الدكتور حسان دياب لتشكيل الحكومة التي أبصرت النور بعد 33 يوما في 21/1/2020، ثم إستقالت على وقع إنفجار مرفأ بيروت المدمر، في 10/8/2020، أي بعد نحو سبعة أشهر و20 يوما، لتدخل في تصريف الأعمال الذي ما يزال مستمرا الى اليوم مسجلة أربعة أشهر و19 يوما، ولا يبدو في الأفق أية بوادر حول إمكانية تشكيل الحكومة ما يعني أن الرئيس عون سوف يزيد من أشهر الفراغ في عهده.
يقول أحد المتابعين: “إن كل المعطيات تشير الى أن الآتي من عهد عون سيكون أسوأ مما سبق، وأن اللبنانيين الذين كانوا مفعمين بالأمل بات عهد الرئيس عون يساوي عندهم إنعداما للأمل، فهل يبادر رئيس الجمهورية الى إعفاء نفسه وإعفاء اللبنانيين من كل هذه الأعباء”؟.
مواضيع ذات صلة: