هو قانون ″قيصر″ الاميركي، يحل ضيفاً ثقيلاً على الساحة اللبنانية المحملة أصلاً بما يفوق طاقتها على الاصعدة كافة. وكأن بلد الأرز لا يكفيه ما يعانيه منذ 17 تشرين الأول 2019، حتى اتاه ″قيصر″ ليزيد من معاناة شعبه.
منذ دخول القانون القاضي بفرض عقوبات اقتصادية على سوريا وكل الدول المتعاملة معها حيز التنفيذ، يتساءل اللبنانيون عما سيكون تأثيره على اقتصادهم المتهالك اساسا. وهل ستؤثر النتائج المترتبة عنه على سعر صرف الدولار وعلى المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي؟..
في السياق، يلفت الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين في حديث لـ ″سفير الشمال″، الى ان ″الهدف من قانون ″قيصر″ هو محاصرة سوريا، خنق لبنان، عزل العراق واستسلام الاردن لصفقة القرن وبالتالي اذا تم تطبيقه كما يطالب الاميركيون فإن لبنان سيخنق نفسه اقتصاديا وستصبح المرافق الموجودة فيه من دون اي قيمة. بمعنى ان مطار بيروت ومرفأي بيروت وطرابلس، لن يعود لهم اي نتيجة للعمل ما سيسبب خنقاً اكثر على المستوى الاقتصادي كما سيؤدي الى زيادة البطالة والضغوطات″.
ويرى ناصر الدين أن ″الولايات المتحدة الاميركية تستعمل الحصار الذي هو فعليا عدوان اقتصادي على لبنان، هذا على المستوى التقني. اما على المستوى السياسي، فهذا القانون يهدف ايضا الى وضع ملف النفط للتفاوض على الطاولة بشكل كبير، وبالتالي يريد وضع حصار على الحدود للحصول على تنازلات في الحدود البحرية خاصة في البلوكين رقم 8 و9 لمصلحة العدو الاسرائيلي”.
ويقول ناصر الدين: “التداعيات سلبية وعلى لبنان ان يرفض تطبيق قانون ″قيصر″. فإذا كانت الولايات المتحدة الاميركية تريد معاقبة اي دولة او الهجوم عليها، فهذا شأنها وليس شأن دول جوار تتعاون فيما بينها، خاصة ان نقاط القوة في الاقتصاد اللبناني هي نقاط ضعف في الاقتصاد السوري والعكس صحيح. لا سيما ان لبنان يريد التوجه الى خيارات اقتصادية جديدة تعتمد على الانتاج. وبعده في سوريا مهم جدا على صعيد المواد الاولية والتكامل الاقتصادي والترانزيت البري، الخ.. اذا الفصل اليوم هو فصل يعطي نتائج سلبية ويحاصر لبنان وسوريا اي يضع بلدين تحت الحصار بشكل كامل.
وفي ما خص موضوع الدولار في لبنان، يرى الخبير الاقتصادي انه “سياسي بامتياز وكل الامور التي يتم العمل فيها على المستوى التقني تعطي نتائج لكنها مرتبطة اكثر بالسياسة”.
ما يحصل اليوم من دعم للاسواق لا يعطي نتيجة برأي ناصر الدين “وليس حلا للمشكلة بل هو مرحلي وجزئي بدليل اننا لا نرى تحسنا بسعر صرف الدولار في الاسواق اليوم”.
ويتابع: “الازمة اليوم هي بنيوية اقتصادية، هي ازمة بطريقة تعاطينا مع الدولار، فاقتصادنا اصبح مدولرا وكل مدفوعاتنا وتسعيراتنا بالدولار، نحن اقتصاد كان يستورد بقيمة 20 مليار دولار ويصدر ما قيمته 2 مليار دولار سنويا، وبالتالي هناك عجز في الميزان التجاري وفي ميزان المدفوعات وعجز في الموازنة. كل هذه الامور اثرت علينا وبالتالي اضحينا في مرحلة لدينا مصاريف جدا عالية ولم نتمكن من القيام بأية اصلاحات، فإذا هذا الموضوع شكل عبئا كبيرا على الاقتصاد اللبناني، لأن ازمة الدولار مستمرة ولغاية الآن لا حلول لها”.
وحول ما اذا كان لدى الحكومة اية بوادر لحل الازمة الاقتصادية، يقول: “لنكن واضحين. الحكومة عاجزة في العديد من الملفات. فعلى المستوى الشخصي هم صادقون جدا، ولا يشبهون حكومات الفساد السابقة والتي تتعاطى بالسياسة. فالحكومات السياسية قد يكون لديها شعبية اكثر. الحكومة اليوم عاجزة بإجراءاتها لانها قبل ان تتمكن من مواجهة الازمة الاقتصادية عليها مواجهة الازمة السياسية لدى الطبقة السياسية الموجودة. فمثلا لا يمكن لاحد ان يتهم رئيس الحكومة بالفساد. لقد كان هناك سقطات للحكومة سياسيا في موضوع التعيينات ومواضيع سياسية اخرى لكن على المستوى الاقتصادي لا تزال الحلول امامها ضعيفة الا انها تملك القدرة على تغيير الحال من واقع الى آخر اذا قررت توقيع اتفاقية حقيقية مع الشرق لانقاذ الاقتصاد اللبناني. وانا ادعوها اذا ارادت النجاح فعليا ان تتوجه الى الشرق. فهناك وزراء مهمين جدا في الحكومة مثل وزيري الصحة والصناعة “.
ويضيف: “الموضوع يحتاج اليوم الى قرارات مفيدة على الصعيد الاقتصادي. فالحكومة اذا قررت ان تأخذ هذه القرارات، يمكنها ان تحقق نقلة نوعية لان الشارع والناس بحاجة الى ذلك. في الاقتصاد ليس هناك شيء صعب او مستحيل. فلبنان بلد صغير واذا اخدنا قرارات بمشاريع مهمة على المستوى الشرقي وقد يكون توجهنا للشرق مدخلا ليتعاطى الغرب معنا بطريقة افضل لان الفرق بين الشرق والغرب اليوم، ان الاول يعطي فيما الثاني يأخذ. فالغرب يعتمد على الاقتصادات الاستهلاكية بينما يعتمد الشرق على الاقتصادات التنموية. اليوم نمر بمرحلة استثنائية في لبنان، وبالتالي تنويع الخيارات الاقتصادية مطلوب جدا وصولا الى مرحلة السيادة الاقتصادية التي تعتمد على الاستقلال الاقتصادي، الانتاج الداخلي، الاقتصاد الانتاجي، كما على حماية ملف ترسيم الحدود البحرية خاصة في الجنوب من اطماع العدو الاسرائيلي”.
وعن سير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يؤكد الخبير الاقتصادي “انها حتى الان لا تعطي اي نتيجة. وبالنهاية لا يمكن للبلد تحمل واجبات الصندوق الاقتصادية والسياسية. فالمشكلة بالاصلاح اليوم. الطبقة السياسية لا تريد القيام بالاصلاح لانه سيكون على حسابها وستخسر في هذا الموضوع. لذلك كان من المتوقع اليوم ان باحسن الحالات حسب نسبة مشاركة لبنان والتي تصل الى 900 مليون دولار بالسنة ممكن يحصل على 10 اضعاف خلال سنوات اذا قام بالاصلاحات المطلوبة. ولكن المعلومات تقول انه سيحصل على 3.9 مليار دولار. وهذا المبلغ لا يمكن ان يقدم شيئا للبنان خاصة انه سيحتاج الى 7 مليار دولار ثابتة كل سنة”.
ويتساءل ناصر الدين عن الهدف من الذهاب الى صندوق النقد الدولي، فيقول “اهو اعادة الاموال للمودعين او تغطية الامن الغذائي او بناء اقتصاد انتاجي؟ كل ما ذكر لا يؤمنه صندوق النقد الدولي وبالتالي هناك خيارات اهم من الذهاب الى الصندوق. اتفاق وحيد مع روسيا مثلا على مستوى الفيول والمحروقات والقمح يوفر للدولة اللبنانية مليار دولار خلال ستة اشهر وبالتالي اقتصادي هذا التوفير هو افضل من جلب 4 مليار من الخارج وبالتالي تحرير سعر صرف الذي رأينا الى اين اوصلنا. خيارات الصندوق ينادي بها اليوم الناس المرتبطون سياسيا بالولايات المتحدة الاميركية ومتخلين عن سيادتهم الاقتصادية وخاضعون للوصاية الاميركية من دون الوصول الى اي نتائج مفيدة في هذا المجال. والكلام عن هذا الموضوع انه بهدف انقاذ لبنان، كلنا نعرف البعد السياسي لصندوق النقد الدولي فهو لا يشكل خطة انقاذ للبنان ابدا ولا تجاربه توحي بهذا الشيء كما انه لم يقدم اي نموذج في العالم للاقتداء به”.
وحول الحلول المقترحة لمعالجة اقتصادنا المأزوم، يرى ناصر الدين “اننا اليوم بحاجة الى التوجه لوضع خطة اقتصادية تنموية، بحاجة الى الاستثمار في التنمية من اجل وضع اسس وهيكلية اقتصادية وبنيان اقتصادي جديد للبنان عبر التوجه الى الاقتصاد الانتاجي، وتخفيف الحاجة من استعمال الدولار، اي ننتج في الداخل، هذا هو الحل الوحيد للبدء بالمعالجة. اما الامور الاخرى فهي مرتبطة بشكل اساسي بإعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني.
ويضيف “المطلوب ان تكون هناك حلول للعمل على دعم الانتاج داخل لبنان والعمل على فتح فرص استثمارية جديدة رغم عدم وجود الثقة، لكن كما ذكرنا التوجه لوضع خطة اقتصادية او اتفاق اقتصادي استثماري على مستوى دولي مثل الصين وروسيا التي يمكنها ان تعطي نقلة نوعية لواقع الاقتصادي اللبناني والزراعي والصناعي، وبالتالي نحن نستورد 1.5 مليار دولار مواد غذائية لا اتصور ان هذا الموضوع يجب ان نستمر به، يجب ان ننتج بالداخل. فنحن نستورد الالبان والاجبان بقيمة 213 مليون دولار سنويا ونحن بلد الانتاج لهذه المواد. اذا ليس من المفترض ان نستورد بهذا الرقم من الخارج. نحن نستورد ما قيمته 1.9 مليار دولار من الادوية في الوقت الذي يمكننا ان ننتجها. فالدول التي يتم الاستيراد منها ليست اهم منا. لدينا امكانات على المستوى العلمي والاقتصاد المعرفي والقدرة العلمية مهمة والاستثمار في موضوع المعلوماتية والهاي تيك. هذه امور مهمة جدا. اليوم من الضروري ان ندرك اهمية الاغتراب اللبناني ومستوى التعاطي معه لانه سيشكل عنصرا اساسيا ورافعة لهذا الاقتصاد ويعمل له الكثير من الايجابيات اذ يمكنه تسويق كل المنتوجات اللبنانية. وهنا تكمن قدرة هذا الاغتراب”.
مواضيع ذات صلة:
-
الشعب السايب بيعلم الحكام ع الحرام!… ديانا غسطين
-
حسن مقلد لـ″سفير الشمال″: الارباك إستثنائي.. ومقارنة بالأرقام وضعنا ليس مستحيلاً!… ديانا غسطين
-
منتدى ″ريشة عطر″ يكرم الزميلة حسناء جعيتاني سعادة… ديانا غسطين