أكثر من خطوة اتخذتها الحكومة في جلستها أمس في إطار الخطوات التي أقدمت عليها لمواجهة تفشّي وباء فيروس كورونا في البلاد، إن دلّت على شيء فإنما تدلّ على أنّ لبنان ما يزال في عين العاصفة، بالرغم من موجة الإطمئنان الضمني التي حاول أكثر من مسؤول أن يوحي بها، كمؤشّر على اقتراب البلاد من تجاوز قطوع الفيروس ومضاعفاته.
لكن الأمتار الأخيرة تحمل ضمنياً الكثير من المخاطر التي يمكن أن تعيد الأمور إلى نقطة الصفر، وقد تسهم في انفلات الأمور والخروج عن السيطرة والذهاب نحو المجهول، ووقوع البلاد فريسة سهلة أمام الفيروس، وإضاعة كل الجهود والإجراءات الإحترازية التي اتخذت، سواء حكومياً أو من قبل الأحزاب والتيارات السياسية وهيئات المجتمع المدني والمتطوعين، أو من قبل المواطنين.
هذان التفاؤل والتشاؤم كان وزير الصحّة حمد حسن، الذي بات يشهد له كثيرون جهده الكبير وغير المسبوق الذي يبذله ونال عليه إحترام الفرقاء كافّة، قد تحدث عنهما قبل أيّام عندما أشار إلى أن لبنان “أصبح ضمن قائمة الدول التي قضت على هذا الوباء إلى حدّ ما”، واعداً بإعلان “الإنتصار قريباً” على هذا الفيروس، لكنه حذّر من أن “تحسّن الأوضاع لا يعني تعليق الحجر المنزلي والتعبئة العامة، بل الإلتزام في الأيّام المقبلة هو الذي سيحسم معركتنا مع فيروس كورونا”.
التفاؤل والتشاؤم المذكوران أعاد رئيس الحكومة حسّان دياب يوم أمس، خلال جلسة الحكومة، التذكير بهما، عندما أوضح أن “الحكومة نجحت إلى حدّ بعيد في محاصرة الوباء، لكن لا نستطيع القول اليوم أننا احتوينا الوباء داخلياً بشكل كامل”، مضيفاً: “بالعكس، نحن خائفون من أن يكون الوباء متحفزاً للعودة والإنتشار بقوة كما يحصل في العديد من دول العالم التي خفّفت إجراءاتها”.
هذه الإجراءات المتمثلة بإعلان الحكومة حالة التعبئة العامّة في 16 آذار الماضي، عادت الحكومة أمس وأعلنت تمديد العمل بها لمدّة أسبوعين إضافيين، إبتداءً من 12 نيسان الجاري حتى 26 من الشهر نفسه، وسط معلومات أنّ إجراءات مشدّدة للغاية ستتخذ خلال هذه الفترة بهدف الحؤول دون تفشّي الفيروس والسيطرة عليه قدر الإمكان.
الأهداف وراء تمديد حالة الطوارىء أسبوعين نبعت من مؤشّرين: الأول الإرتفاع الملحوظ الذي لحظه قضاء بشري في أعداد المصابين بالفيروس؛ والثاني العدد اللافت للمصابين الذين أعادتهم الحكومة من بلاد الإغتراب، وتحديداً من إسبانيا وفرنسا، ما دفع الحكومة على لسان رئيسها إلى التوضيح أنّها ستعمد خلال اليومين المقبلين إلى تقويم هذه الرحلات، فإمّا تستمر بها أو توقفها.
بما يخصّ قضاء بشري، الذي كان حتى وقت قريب القضاء الشمالي الوحيد ومن بين أقضية لبنانية قليلة لم يظهر فيها الفيروس، فقد تصدّر فجأة عدد الإصابات في هذا القضاء الإصابات بين الأقضية اللبنانية كلها. يوم أول من أمس بلغت نسبة الإصابات في بشري بالإستناد إلى الفحوصات المخبرية 45 % من مجمل الإصابات العام، ويوم أمس سُجّل ظهور 5 إصابات جديدة في بشري من أصل 7 في لبنان كله، ما دفع البعض إلى وصف المنطقة بأنّها “بؤرة إنتشار الفيروس” في لبنان.
أمّا المؤشّر الثاني والمتمثل بالمغتربين، فإنّ المخاوف تسود من عدم القدرة على ضبط تصرفات هؤلاء، ولا إلزامهم الحجر الصحّي المنزلي لمدة أسبوعين، بعد انقسام سياسي وطائفي ومناطقي حاد برز منذ اليوم الأول لتسهيل عودتهم، ما سيجعلهم مصدراً فعلياً لتفشّي الفيروس في حال كانوا مصابين به، وعندها سوف تضيع كل الجهود التي بذلت لاحتواء الفيروس، ويكون لبنان قد دخل في نفق مظلم.
كلّ ذلك يعني أنّ على اللبنانيين الإنتظار أسبوعبن إضافيين، وهو إنتظار لا بد منه ولا خيار لهم حياله، في ضوء الإنهيار الكبير الذي تشهده دول كبرى أمام “زحف” الفيروس وافتراسه مواطنيها بلا رحمة ولا شفقة.
مواضيع ذات صلة:
-
الحكومة تستدرك خطأها: الجيش بدل الإغاثة والمساعدات نقدية… عبد الكافي الصمد
-
زيارات دياب الخارجية تربكه: دولٌ تُحرجه ودولٌ تتجاهله… عبد الكافي الصمد
-
خلاف المستقبل ـ القوات: حكومة دياب المستفيد الأوّل… عبد الكافي الصمد