طرابلس تُظلم مرّتين: الإحتجاجات والحجر الصحّي… عبد الكافي الصمد

عندما أغلق محتجّون ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النّور) بعد أيام من انطلاق الإحتجاجات في وجه الحكومة إعتراضاً على فرضها ضرائب، ونتيجة الوضع الإقتصادي السيّىء، وُجّهت دعوات عديدة إلى المحتجّين من أجل إعادة فتح السّاحة مجدّداً، ورفع الخيم والدشم الباطونية منها، وإعادة الحياة إليها بشكل طبيعي، بعدما تبيّن أنّ أضرار استمرار إغلاقها كبيرة جدّاً، وأن الشكاوى بسبب ذلك تتزايد يومياً بين أصحاب المحال والمؤسسات التجارية في الساحة ومحيطها، وبين المواطنين.

كان ردّ القائمين على السّاحة الرفض التام لتلك الدعوات بإعادة فتح الساحة، وهي الساحة  الوحيدة التي ما تزال مغلقة في كل لبنان، منذ اندلاع شرارة الإحتجاجات في 17 تشرين الأول الماضي، بعدما اعتبروا أنّ طرابلس التي وصفت بأنّها “أيقونة” و”عروس” الثورة، لن تتنازل أبداً عن تلك الصورة الرائعة التي ظهرت بها، وأن ساحة الإعتصام هي رمز هذه “الثورة”، وبالتالي فإن “سقوطها” بإعادة فتحها يعني سقوط الثورة!

عندما كان كثيرون يناشدون، مباشرة أو بشكل غير مباشر، القائمين على الإعتصام في ساحة الإحتجاج إعادة فتحها، لأسباب إقتصادية ومعيشية بالدرجة الأولى، كان الردّ أنّ طرابلس تقبل الجوع والموت مقابل العيش بكرامة، وأنّ القضية التي نزلوا من أجلها إلى الشوارع والساحات وهي إسقاط النظام السياسي الطائفي وإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، قضية تستأهل في سبيل تحقيقها الصبر على الجوع والعطش إلى أبعد مدى.

منذ إقفال السّاحة قبل زهاء 170 يوماً، توقفت الحركة التجارية في المدينة، وشلّت حركة الأسواق الرئيسية والشعبية على اختلافها، وامتنع المتسوقون من بقية المناطق عن القدوم إلى طرابلس للتزود بحاجياتهم، بعدما بات الدخول إلى طرابلس والخروج منها محفوفاً بالمخاطر، كما أقفلت المدارس والجامعات الرسمية والخاصة وأغلب المؤسسات العامة والخاصة أبوابها، ومكث العمال والموظفون والطلاب وأصحاب المصالح وصغار الكسبة في بيوتهم، بانتظار أن “يعطف” عليهم قلة من المحتجين وضعوا يدهم على المدينة في غفلة من الزمن، وسط تقاعس سياسي ورسمي مريب.

غير أنّه منذ إعلان الحكومة الحجر الصحّي المنزلي على المواطنين قبل أيّام خشية تفشّي فيروس كورونا، باتت طرابلس تشهد بشكل شبه يومي تقريباً تحرّكات إحتجاجية ومظاهرات ليليلة ونهارية، يخرج فيها شبّان يقولون إن الجوع هو الذي أخرجهم من بيوتهم، ويناشدون السلطات إطعامهم، ما أدى أكثر من مرة إلى احتكاكات وصدامات بينهم وبين الجيش والقوى الأمنية بعدما منعوهم من التجمّعات ومن خرق ساعات حظر التجول، وسط تساؤلات عديدة حول تناقض هؤلاء بين الأمس واليوم، ولماذا رفضوا فتح ساحة الإعتصام بعدما أغلقوها أكثر من خمسة أشهر، وما يزالون، وتسبّبوا بإلحاق أذى كبير بمصالح المواطنين ومعيشتهم، بينما لم يصبروا أياماً على حجر صحي يصبّ في مصلحتهم وسلامتهم وسلامة عائلاتهم، وخرجوا ينادون فجأة بجوع وفقر أصابهم.

لا شكّ في أنّ الفقر والجوع يزداد يومياً في طرابلس، وتنتشر على نطاق واسع في المدينة قصص وحكايات مؤلمة عن حجم الحاجة الذي أصاب الجميع تقريباً، ولكن أغلب هؤلاء بقوا في داخل بيوتهم في المرتين، أيام الإحتجاج وأيام الحجر الصحي، من دون أن يجدوا من يلتفت إليهم أو يرفع عنهم الأذى في الحالتين، لأن كراماتهم تأبى عليهم التعرّض للمهانة والذلّ في الحالتين، وهؤلاء هم الصامدون الحقيقيون غير المرئيين في المدينة.


مواضيع ذات صلة:

  1. الحكومة تستدرك خطأها: الجيش بدل الإغاثة والمساعدات نقدية… عبد الكافي الصمد

  2. زيارات دياب الخارجية تربكه: دولٌ تُحرجه ودولٌ تتجاهله… عبد الكافي الصمد

  3. خلاف المستقبل ـ القوات: حكومة دياب المستفيد الأوّل… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal