إستدركت الحكومة، في أقل من أسبوع، الخطأ الذي وقعت فيه يوم الخميس الماضي، عندما قررت صرف مبلغ 75 مليار ليرة لبنانية، خصّصتها من إحتياطي الموازنة، لتأمين المساعدات الإجتماعية والغذائية للنّاس على خلفية تداعيات أزمة فيروس كورونا، وحوّلتها إلى الهيئة العليا للإغاثة للقيام بهذه المهمة، لكنها يوم أمس سحبت التكليف من هيئة الإغاثة وسلمت راية المساعدات إلى الجيش اللبناني، بعد إدخال تعديلات على المساعدات، شكلاً ومضموناً، وكيفية صرفها.
منذ يوم الخميس الماضي وحتى يوم أمس لمست الحكومة حجم الإستياء والرفض الواسعين للمساعدات الغذائية التي أعلنت عنها، سياسياً وشعبياً، إنطلاقاً من أنّ هيئة الإغاثة ليست محل ثقة بسبب التجارب السابقة لها وهي غير مشجعة، والتي فاحت منها روائح الفساد والسمسرات والصفقات، وأنّ هذه المساعدات ستذهب لا محالة إلى جيوب منتفعين وفق محسوبيات سياسية ليست خافية على أحد.
كما أن آلية توزيع المساعدات التي أعلنت عنها الحكومة قبل خمسة أيام، هي غذائية على الأغلب وعلى شكل حصص، الأمر الذي دفع كثيرين إلى الاعتراض عليها لأسباب كثيرة، منها أن ازدحاماً كبيراً سيحدث حول مراكز التوزيع ما سيؤدي إلى احتكاك المواطنين في ما بينهم، وإلى مخاطر تعرّضهم للإصابة بالفيروس، فضلاً عن مشاهد الذلّ والمهانة والتشبيح التي تشهدها عادة هذه المراكز، عدا عن أن توزيعها لن يكون شفّافاً ولا عادلاً، ولن يؤمن للعائلات المحتجزة قسراً في منازلها بسبب الحجر الصحي قوت يومها باحترام وكرامة، بعد توقف أعمالها وانعدام مدخولها.
كلّ ذلك دفع الحكومة أمس إلى التراجع في الشكل عن هذه المساعدات، والحفاظ عليها من حيث المضمون، فبعدما كانت غذائية وإجتماعية باتت نقدية، وهي ستكون مساعدة مادية تبلغ 400 ألف ليرة للأسر الأكثر حاجة، تصرفها وفق حاجاتها وأولوياتها، أمّا التوزيع فسيكون عن طريق الجيش اللبناني وليس الهيئة العليا للإغاثة.
غير أن أسئلة طرحت حول هذه المساعدة المالية النقدية التي أقرتها الحكومة، أبرزها:
أولاً: هل أن المبلغ الذي رصدته الحكومة الأسبوع الماضي لهذه الغاية، وهو 75 مليار ليرة لبنانية، بقي كما هو، أم جرى تعديله زيادة أو نقصان، ولماذا لم تكشف الحكومة عن المبلغ النهائي لهذه المساعدات؟.
ثانياً: هل أن اللوائح النهائية للعائلات التي يفترض أن تقبض هذه المساعدات قد أنجزت أم بعد. إذا كان الجواب إيجابا فالسؤال على أي أساس، وإذا كان نفياً فهل الوقت ينتظر لإنجازها؟ خصوصاً بعد أن بدأت أصوات عائلات ترتفع تشكو من أنه ليس في بيوتها ما يسدّ رمقها، وأن الجوع قد بدأ يطرق الأبواب.
ثالثاً: هل أنّ هذه المساعدات النقدية ستعطى لهذه العائلات نقداً أم على شكل شيكات مصرفية. في الحالة الأولى فإن الأمر يستدعي استنفار الجيش للقيام بهذه المهمة من أجل توزيع الأموال على العائلات في منازلها، ولو على مراحل أي تحديد يوم أو عدّة أيام لكل محافظة أو قضاء؛ غير أنّ توزيع هذه المبالغ على شكل شيكات سيعني أن طوابير هائلة من المواطنين ستصطف أمام المصارف لقبض مساعداتهم، ما سيحدث فوضى وتسيّب ومشاهد إهانة وذلّ، فضلاً عن مخاطر إحتكاكهم التي قد تؤدي إلى إصابتهم بفيروس كورونا.
في غضون أسبوعين قلبت الحكومة آلية وشكل مساعداتها للمواطنين رأساً على عقب. لكن يُخشى أن تجد الحكومة، بعد أسبوع، نفسها في مأزق مماثل قد يدفعها إلى استنباط آلية وشكل جديدين كلياً، ما سيجعلها تبدو وكأنّها تدور في حلقة مفرغة، عندها قد لا يكون من فائدة مرجوة لهذه المساعدات، إذ قد يكون الأوان قد فات.
مواضيع ذات صلة:
-
زيارات دياب الخارجية تربكه: دولٌ تُحرجه ودولٌ تتجاهله… عبد الكافي الصمد
-
خلاف المستقبل ـ القوات: حكومة دياب المستفيد الأوّل… عبد الكافي الصمد
-
الباب السّوري مخرجٌ لأزمات لبنان الإقتصادية.. هل تطرقه حكومة دياب؟… عبد الكافي الصمد