ميقاتي في الجنوب.. الدولة حاضرة!… غسان ريفي

في أحسن الأحوال، كان لبنان يعيش ظروفا دقيقة، فكيف اليوم في ظل مأزق إقتصادي معطوف على أزمة سياسية متمثلة بشغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال، وتيار سياسي جائر يقاطع إجتماعاتها حتى لمناقشة القضايا الملحة من مالية وصحية واجتماعية وتربوية، إضافة الى مئات الملفات التي يصعب على حكومة فاعلة ضمن إنتظام رئاسي وسياسي معالجتها وإيجاد الحلول لها، فضلا عن تهديدات إسرائيلية بإعادة لبنان الى العصر الحجري وجبهة مشتعلة في الجنوب بفعل تصدي المقاومة الاسلامية للاعتداءات.

بالرغم من كل ذلك، يحاول الرئيس نجيب ميقاتي وبشكل دؤوب ومستمر التخفيف من وطأة الأزمات التي تتوالد في كل يوم.

ولا شك في أن العملية البطولية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غلاف غزة وردّ الفعل الصهيوني الهمجي والدموي وإمكانية إتساع دائرة الصراع وصولا الى حرب إقليمية قد ضاعف من وطأة الأزمات في لبنان الذي يقف على مفترق طرق خطير جدا.

هذا الواقع الجديد الذي يواجهه البلد المأزوم أصلا، يجعل أي إنجاز أو الوصول الى معالجة أي أزمة، مسألة شبه مستحيلة، وبالرغم من هذه الإستحالة التي تواجهها حكومة تصريف الأعمال في بلد التوافقات السياسية الغائبة، يعمل الرئيس ميقاتي ليل نهار في سبيل تخطي الأزمات القائمة بأقل الخسائر الممكنة، من دون أن يفرط في أي من الثوابت الوطنية والعربية، حيث يسير بالبلد في حقل من الألغام يحرص فيه على العبور الى برّ الأمان من دون أية أضرار وقد نجح حتى الآن، فلا هو خالف الدستور، ولا أعلن العداء للمقاومة التي يعترف بحقها في الدفاع عن الأرض، ولا تنكر للدم الفلسطيني، ولا خالف البيان الوزاري لحكومته، ولا خاصم المجتمع الدولي، ولا خرج عن الشرعية الدولية، ولا إرتجل مواقف تفتح الباب لمزيد من التجاذبات، بل على العكس فقد عمل وفقا للمصالح الوطنية العليا متجاوزا كل الصعوبات، والافتراءات ومحاولات تصفية الحسابات التي وصلت كلها الى طريق مسدود.

يعمل الرئيس ميقاتي اليوم على ثلاثة خطوط، الأول، دبلوماسي حيث يستخدم كل ما لديه من علاقات دولية من أجل تجنيب لبنان أي عدوان إسرائيلي.

والثاني، إغاثي إجتماعي ضمن خطة الطوارئ التي أعدتها الحكومة لمواجهة تداعيات العدوان في حال حصوله، سواء عبر الهيئة العليا للإغاثة أو لقاء الجمعيات والهيئات الدولية، أو تفعيل مؤسسات الدولة ذات الصلة لا سيما وزارات الصحة والأشغال والتربية.

والثالث، متابعة إستعدادات الجيش اللبناني وتأمين جهوزيته جنوبا لمواجهة أي طارئ وتأمين التنسيق التام مع قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب تأكيدا على إلتزام لبنان بقرارات الشرعية الدولية، وقد أثبت ميقاتي في الوقت نفسه أنه يمتلك “صبر أيوب” على الواقع اللبناني القائم والشغور الرئاسي الذي يدخل بعد أيام قليلة عامه الأول، وعلى حالات الانفصام السياسي وعلى بعض الوزراء وفي مقدمتهم وزير الخارجية وتصريحاته الغريبة.

وقد جاءت زيارة الرئيس ميقاتي الى الجنوب أمس حيث إستقبله قائد الجيش العماد جوزيف عون في ثكنة صور، لتتوج كل هذه الجهود، ولتؤكد أن الدولة حاضرة فيه بحكومتها ووزاراتها وجيشها ومؤسساتها انه جزء لا يتجزأ من مساحة الوطن اللبناني، وذلك منعا لأي تغوّل صهيوني، وقطعا للألسنة التي تتشدق بالمواقف الشعبوية غير آبهة بالمخاطر الجسيمة التي تحيط بالوطن.

وقد حرص ميقاتي في زيارته الجنوبية على الدور التكاملي بين الدولة والجيش وقوات اليونيفل للتنسيق في وضع حد للعدوان الاسرائيلي من دون إغفال الدور الأساسي للمقاومة التي تتصدى للغطرسة الصهيونية، مع تأكيده أن لبنان لا يريد الحرب وكذلك المقاومة وأيضا المجتمع الدولي الذي أرسل كل ما لديه من وزراء وسفراء ومبعوثين الى السراي الحكومي لحث لبنان على أن يبقى بمنأى عن الصراع.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه ميقاتي تمسك لبنان بالقرار ١٧٠١، يشدد على حقه الشرعي في الدفاع عن نفسه أمام الاعتداءات، داعيا الدول المعنية الى الضغط على إسرائيل لوقف استفزازاتها على أرض الجنوب ولوقف عدوانها على غزة والذي يشكل المدخل الوحيد لإعادة الاستقرار الى المنطقة ككل.


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal