هل تعوّض المبادرات الفردية غياب مؤسسات الدولة وتقصيرها؟… عبدالكافي الصمد

كان لافتاً الخبر الذي نُشر يوم أمس، عن أنّ سنترال المنية قد عاود بعد ستّة أيّام من التوقّف عن العمل، نشاطه مجدّداً، بعدما زوّدته جهة خاصة هي مجمّع الأرز التربوي في المنطقة بما يحتاجه من مادة المازوت التي فرغت من خزّاناته، وأدّت إلى توقّف الخدمات التي تقدمها هيئة أوجيرو في السنترال من إتصالات أرضية وأنترنت، ويستفيد منها المشتركون في السنترال ضمن المنية وجوارها.
وأضاف الخبر بأنّ صهريج مازوت قد أفرغ حمولته داخل خزّانات السنترال ما أسهم في إعادة تشغيله، وبأنّ الجهة المتبرعة أخذت على عاتقها تشغيل السنترال، بعد دراسة وضعه، حيث أعلنت أنّها ستعمل على تأمين مادة المازوت لتشغيل السنترال لمدّة شهر كامل بالحدّ الأدنى.
هذه المبادرة الفردية أنقذت مرفقاً عامّاً من الشلل، ومن توقّفه عن العمل بشكل تام، ما يلحق الضرر بالمواطنين والمشتركين الذي يدفعون رسوماً شهرية مقابل الحصول على هذه الخدمات، وهي ليست مجانية أو رمزية بل تعتبر الأغلى بين مثيلاتها في دول الجوار برغم أن مستوى هذه الخدمات متدنٍ جدّاً.
لكنّ المبادرة الفردية الآنفة الذكر ليست الأولى من نوعها التي تشهدها مناطق الشّمال بلا استثناء. ففي مدينة طرابلس، العاصمة الثانية للبلاد وعاصمة الشمال، أسهمت مبادرات فردية قامت بها جمعيات خيرية في الآونة الأخيرة في إنارة شوارع وأزقة وساحات عدّة في المدينة بواسطة الطاقة الشّمسية، وأعادت إليها الأضواء بعدما خيّمت عليها العتمة، في حين أنّ الدولة ـ وتحديداً وزارة الطاقة والمياه ومؤسسة كهرباء لبنان ـ التي يفترض أن تقوم هي بهذا العمل غائبة عن السّمع.
المبادرات الفردية في هذا السّياق ليست مقتصرة على جانب واحد، فهي تمتد لتشمل قطاعات عدّة في مجالات الصحّة والتربية والبنى التحتية والإجتماع والبيئة وغيرها، تحاول ما أمكنها وضمن الإمكانات المتاحة لها تعويض غياب الدولة، وتقصيرها تجاه مناطق عدّة محرومة من خيرات الدولة ومن إهتمامها، على رأسها مدينة طرابلس التي تعدّ من أفقر المناطق اللبنانية، والتي يرزح قرابة 80 في المئة من سكّانها تحت خط الفقر.
غير أنّ هذه المبادرات، برغم أهميتها ودورها في تخفيف الأعباء عن قسم كبير من فقراء المدينة، لا يمكنها بأيّ شكل من الأشكال تعويض غياب الدولة وتقصيرها، وهي لا تستطيع بناء مستشفيات حكومية مجانية أو شبه مجانية لتقديم الخدمات الصحية، ولا تستطيع أيضاً تشييد مدارس ومعاهد فنية وجامعات مجانية أو برسوم رمزية، وليست قادرة أيضاً على إقامة مشاريع البنى التحتية (طرقات، جسور، شبكات مياه وشبكات صرف صحي وغيرها)، ولا يمكنها إدارة وتشغيل مؤسّسات الدولة وتأمين مستلزماتها من المازوت إلى الكهرباء إلى التجهيزات الأخرى، وصولاً إلى الأوراق والأقلام والمحابر.
كلّ ما تحاول هذه المبادرات الفردية القيام به هو إضاءة شمعة وسط هذا الظلام الدامس، بدل أن تلعنه، وفي ظلّ الفساد الذي أكل الأخضر واليابس في هذا البلد.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal