صرخة برسم نواب المجلس!… شفيق ملك

حدد الرابع عشر من شهر حزيران موعدا لجلسة انتخاب رئيساً للبلاد بدعوة من الرئيس بري، علَّها تكون جلسة مميَّزة ترقى إلى المستوى السياسي المطلوب، دون تغيير في موعدها أو تطيير لنصابها.
هل نحن سائرون إلى المجهول؟ لست أدري، أم أنها بداية طريق جديد نحو عودة سيطرة الدولة على مؤسساتها المتروكة. نحن جميعا بانتظار نتائج اليوم الذي يترقبه كل الشعب بشغف، تحت أنظار ومراقبة من المجتمع الدولي بأكمله.
جمال الألوان في تشكيل وزخرفة الفن المعماري يلجأ إليه كثير من المعماريين في إظهار لُوَحِهم المتجانسة وإبداعهم في تكوين أُطُرِها الداخلية والخارجية. استعمال الألوان الداكنة، يبدأ باللون “الأسود” ومن ثم نزولاً الى اللون “الرمادي”. ذلك هو دلالة واضحة على الركائز والقوى في الإظهار والتعبير الجمالي. يحدث هذا داخل المدارس المعمارية العريقة. من غير المألوف ما نشهده لدى عدد من النواب ينادون في أرْوِقة المجلس، ويصرِّحون دون خجل بتبنيهم نظرية اللون الرمادي. هؤلاء النواب الممثِّلين للشعب يدلون بآرائهم الغريبة قائلين “لن نصوت لفرنجية أو أزعور ولن نضع ورقة بيضاء” ولنا خيار آخر هو تسمية شعار، شعار يدل على المستوى السياسي الذي وصلت إليه بعض الكتل الصغيرة الحجم. أي لون رمادي هذا الذي يختاره نوابنا حاملي الأمانة من قبل الشعب منذ عام، علماً أن المواقف السلبية في السياسة لا تبني أوطاناً. رغم أن اللون الرمادي جميل في الهندسة المعمارية لكنه قمة الانتهازية في السياسة، خصوصا عند المحطات المفصلية في تاريخ الوطن.
المعركة الرئاسية حامية الوطيس، قائمة منذ سبعة أشهر ومازالت الكتل النيابية الصغيرة تبحث عن اسم ولم تحسم أمرها وعددها لا يتجاوز العشرين. في هذه الظروف الحرجة لا تنفع ممارسة بعض الكتل النيابية المعروفة بشعارها ولونها السياسي وأعضاؤها يعملون منذ سنين تحت عباءة فريق الممانعة وتحديدا سرايا المقاومة. وقد أعلنوا مؤخراً ولادة كتلة جديدة بمسمى منمَّق آخر. بالمقابل سُئِل أحد النواب المنفرد والمستقلّ لمن ستصوت، فأجاب مبتسماً، لم أحزم أمري بعد، فما زال لديَّ خيار ثالث أو أن ألجأ إلى الورقة بيضاء.
تشتُّتٌ ممنهج وإرادات مسلوبة تبحث أو قد تنتظر قرار. في حين أن أصحاب الكتل الكبيرة ومتعهدي الورقة البيضاء لإحدى عشر جلسة، تخلّوا عن مسارهم وأجهروا بدعمهم زعيم تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية. أما الكتل الأخرى المسيحية، بالرغم من اختلاف مشاربها السياسية، فقد حسمت أمرها وأعلنت عن قرراها بالتصويت “لمرشح التقاطع”، حسب التسمية الحديثة، الوزير السابق جهاد أزعور.
في خضم ما يدور الآن من شحن طائفي وتجاذبات سياسية وتطورات جديدة تسير جميعها إلى أفق مسدود، يشاع كثيراً من الأفكار الهدامة من خلال الميديا، تتناقلها وسائل الإعلام، أبرزها عرض صورة تجمع الشهيد محمد شطح والمرشح جهاد أزعور وكأنها رسالة مشفرة الى نواب الأمة. مشهد مختلف في تطور المواقف السياسية المتشددة لا يعبر عن شيء سوى الانحلال في الممارسة الديمقراطية والقمع الفكري للحرية الفردية الذي طويت صفحاته منذ زمن بعيد.
لبنان بأسره يتلظّى على جمرات العذاب والحياة المرة تُسرْبلُ المواطن اللبناني وهو سجين في منزله دون غذاء ماء، كهرباء وخدمات أخرى. يتحكم فيه تغيير سعر صرف الدولار اليومي دون توقف. يصاحب همّ المواطن اهتراء في مفاصل الدولة، فترى في عاصمة القرار واشنطن سفارة لبنان دون سفير معتمد وفي باريس، عاصمة متابعة الملف الرئاسي، سفيراً غير مرغوب به من قبل حكومة فرنسا، طلبت إزاحته لأسباب أخلاقية. اهتراء سياسي داخلي واكبه فشلٌ في العلاقات الدبلوماسية الخارجية. بعد ست سنوات في الحكم لم يقم خلالها الرئيس عون بأي زيارة إلى سوريا، فاجأنا الجنرال مؤخراً بزيارته الملتبسة التي عجز المحللون السياسيون عن تقييمها، في حين وُصفت بزيارة ودية ولزوم ما لا يلزم.
نرى اليوم تبادلاً في الوفود والزيارات السياسية في لبنان، تحمل مبادرات جيدة لتهدئة الأجواء المشحونة والحث على انتخاب رئيس للبلاد. آخرها تكليف وزير الخارجية الفرنسي السابق السيد جان إيف لودريان بالملف اللبناني، لتضع فرنسا بصماتها الأخيرة المستجدة في الملف الرئاسي دون تحديد تاريخ مجيئه قبل أو بعد جلسة الانتخاب المرتقبة يوم الأربعاء القادم. بالمحصلة ألم يتعلم حتى الآن، نواب الأمة في لبنان تطبيق واحترام المهل القانونية التي نص عليها الدستور اللبناني، على غرار ما جرى حديثاً بنجاح في دول الجوار مثال تركيا، اليونان والكويت، رغماً عن تشتت وانقسام كتلهم السياسية والعنف الذي برز خلال معاركهم الانتخابية. كفى تبجحا بالنظريات في علوم السياسة والاقتصاد والتغني بهدف الوصول إلى جمهورية أفلاطون. القرار الوحيد هو الذهاب إلى جلسة الانتخاب والخروج عن الاقتراع بورقة بيضاء. بالرغم من تعقيدات المشهد السياسي اللبناني، لنسقط لمرة واحدة نهج انتظار كلمة السر من الخارج ولننتخب رئيساً للبلاد،
ليحْيا لبنان حراً سيداً مستقلاً..

الكاتب: المهندس شفيق ملك
المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal