نحو الرئاسة … واللعبة الديمقراطية الى اين؟… شفيق ملك

الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس للجمهورية في المجلس النيابي اللبناني حصلت، وليتها لم تحصل. تكررت بالشكل والمضمون، حيث لم تكن نتائج التصويت مغايرة عن الجلسة الأولى. حضر الجلسة 119 نائبا وغاب 9 نواب، بعذرٍ أو بدونه. اظهر غيابهم أقله عدم الاحترام والاكتراث الجدي لهذا الاستحقاق الرئاسي.

تجدر الإشارة الى أن النواب قد انتُخبوا هذا العام بتاريخ 15 أيار، ولديهم توكيل من الشعب، الذي هو مصدر السلطات، على أن يقوموا بواجبهم الوطني في المجلس النيابي ،ضمن احترام الدستور، لصيانة سدة الرئاسة والإسراع بالإنقاذ والإصلاح.

عقدت الجلسة الثالثة في المجلس النيابي فكانت اشبه بمسرحية لم تحدد كل فصولها، وزعت أدوارها بدقة متناهية دون سهو او حذف لتفاصيلها، فجاءت متكاملة الحبكة مؤكدة لنتائجها المدروسة سلفا.

بلغ عدد الأوراق البيضاء 55، أي أقل من الجلسة الأولى ب 8 أوراق. ماذا يعني هذا سوى ان فريق الممانعة ما زال متماسكا كفريق واحد، معلنا عدم توافقه بعد على اختيار اسم الرئيس؟ فلينتظر الشعب!! ان كتلة أصحاب “الورقة البيضاء” تتميز بأن لديها هدف مشترك وتعمل تحت امرة مايسترو واحد، يتقن عمله. جميع نواب هذه الكتلة بالحقيقة مرتبكون، مختلفو الآراء وليس لديهم مرشح واحد لمنصب الرئاسة حتى الان، علماً ان مرشحيهم معروفي الاسماء، انما ينقصهم القرار والجرأة للإفصاح عنهم.

ألا يدرك الشعب اللبناني أن مثل هذه اللعبة، تحت قبة البرلمان باسم الديمقراطية السياسية، إن طالت واستمرت، فهي بصراحة تعطيل مباشر لانتخاب رئيس الجمهورية؟ علماً أننا باشد العوز لملء هذا الفراغ الرئاسي.

أما الكتلة الثانية من تجمع النواب، وهي مجموعة النواب الجدد المستقلين التغييريين فقد أخذوا على أنفسهم واجب التغيير النموذجي الدستوري، الذي لا يقبل النقاش أو الجدل السياسي في تصورهم للمنظومة السياسية في لبنان على مر السنين الماضية. كما طرحوا فكرة جديدة جيدة وهي مناقشة برنامجهم السياسي مع الآخرين من الكتل النيابية كلٌ على حدة، يصاحبه حوار ثنائي تحت مظلة الحرية السياسية والديمقراطية، كل ذلك للتوصل الى اسم مرشح مشترك توافقي. 

وهنا تجدر الاشارة الى أن هذه الكتلة وصلت الى البرلمان اللبناني بإجمال 472000 صوت من أصوات أصوات الثوار.

في الجلسة الأخيرة، صوتت هذه الكتلة بشعار جديد لها مختلف عن الجلسة السابقة، و هو شعار “لبنان الجديد”، وحصل هذا الشعار على 17 صوتاً. هل يستحق هذا العمل ان يسمى إنجازاً؟ ما هو الفرق بين الشعارين؟ هل أصبح شعار الوطن هدفا سياسيا تتراشقه الكتل في معركة الرئاسة؟ ما نراه في هذه الكتلة للأسف هو تخبط واختلاف في الراي ومواقف غير مدروسة وغير متوازنة.

بين الكتلة الأولى التي حملت شعار “ورقة بيضاء” وكتلة “لبنان الجديد” ظهرت خمس أصوات لاغية أبرزها “دكتاتور عادل”. أيُ شعار هذا، يتناقض في النص ولا يمت بصلة الى انتخاب الرئيس؟ طرح مثل هذه الورقة هو بمثابة رسائل متعددة موجهة للكتل النيابية والشعب اللبناني على السواء. يليه ورقة تحمل شعار “لا أحد”! ماذا تعني هذه الورقة وماذا تحمل من رسائل ليس لها تفسير؟ هل يريد النائب صاحب هذا الشعار أن يستعين بأسماء مستوردة من كوكب آخر؟ بالمحصلة خمسة أصوات لنواب في المجلس لا قيمة لها سوى نتيجة سلبية، “لاغية” حسب نص الدستور. من تفيد مثل هذه الأوراق في معركة الرئاسة، سوى التعطيل؟

حملت الكتلة الأخيرة ورقة باسم المرشح ميشال معوض وتقدمت من 36 صوتا الى 42 صوتا، أي حصلت على ثلث عدد النواب، من أصل 128 نائبا. ويعتبر هذا بمثابة تقدم إيجابي في هذه الجولة.

خلاصة، يمكننا القول أن كتلة واحدة من النواب كانت جدية باحترام روح المعركة وقواعد الانتخاب الرئاسي، بيد أن المطلوب من جميع الكتل النيابية الجدية في التعاطي بهذا الاستحقاق الرئاسي وكفانا هدراً للوقت، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. لا ننس أن هذا العهد شارف على الانتهاء بعد أيام معدودة، وقد مر كاملا دون تحقيق أية مكاسب عادت بالنفع العام الى الشعب اللبناني.

بانتهاء الجلسة الثالثة، عُين اليوم الاثنين في 24 الجاري موعدأً للجلسة الرابعة لانتخاب الرئيس العتيد. تم ذلك بسرعة من قبل رئيس المجلس النيابي حتى لا يفسح مجالا للاستغلال السياسي والتجاذب الكلامي بين الكتل النيابية تحت قبة البرلمان.

استطراداً لوصف هذه الجلسة، يمكن القول إنها كانت سلبية بكل ما في الكلمة من معنى، حيث لم تأت بأي تبديل او حراك في المواقف السياسية بين النواب.

يتأسف المراقب لرؤية هذه المسرحية المتكررة امام الشعب اللبناني باسره الذي يعد الأيام كي يخرج من هذا الاتون الاقتصادي والاجتماعي، في ظل انقطاع الكهرباء والماء، ولقمة العيش الكريمة.

كل هذا الأداء في البرلمان اللبناني يحصل أمام كافة ممثلي السلك الدبلوماسي والصحافة المحلية والعالمية وأمام المجتمع الدولي المراقب لهذا الحدث، لنقل صورة سلبية لما يتخبط به سياسيو لبنان. هل ينتظر هذا المجلس المحترم كلمة سر تأتي من مكان ما؟ لست أدري….

بين ثنايا هذا الإنحلال الاجتماعي والانحطاط السياسي، نرى ان جائحة جديدة تسللت تحت جناح الليل، أو بوضح النهار، آتية من الخارج واسمها “الكوليرا”. كأن هذا الشعب كتب له ان يبقى دائما برفقة الأوبئة، لا سيما أن الجائحة السابقة “كورونا” لم يعلن رسميا عن انتهاء فصولها.. علماً أن الجائحة السياسية في لبنان ستظل سيدة الموقف، وذلك حتى الجلسة الرابعة، في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، موعد جديد لجلسة إنتخاب الرئيس.

فليتجرد النواب جميعاً من سيطرة كتلهم في الجلسة القادمة وليحكموا العقل والضمير، ولا يطيروا النصاب كما سبق، حتى يؤدي يوم الانتخاب الرئاسي القادم إلى انتخاب الرئيس العتيد. فليأمل الشعب بذاك الحدث المطل قريبا وليس ببعيد.

عاش لبنان حرا سيدا مستقلا!..

الكاتب: المهندس شفيق ملك

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal