التفاتة الى الشرق: نظرة نحو كازاخستان (1)… إيمان درنيقة

نحتاج الى زوادة صغيرة، لأدوات رسم، ومخيلة شاعر للذهاب في نزهة الى كازاخستان حيث تعزف مياه الانهار موسيقى الحياة.

نحتاج الى أن نستخدم كل ما لدينا من حواس السمع والبصر والذوق والشم واللمس، لندرك جمال كازاخستان ونتتبع طريق القوافل، ونمشي في دروب طريق الحرير، ونزحف في الصحارى لنكتشف مدنها الضائعة وكنوزها المدفونة.

الحديث عن كازاخستان هو أروع بكثير مما يتصور من يعيش خارج حدودها، فكازاخستان وتعني “أرض الاحرار”، بلاد جميلة وهي تشغل مساحة واسعة تبلغ 7 ملايين و725 الف كلم مربعا. وهذه المساحة تفوق مساحة دول غرب اوروبا مجتمعة، كما أنّ حدودها مع روسيا تزيد في طولها عن الحدود بين كندا والولايات المتحدة الاميركية، وهي تمتد من بحر قزوين حيث ملتقى آسيا واوروبا حتى حدود غرب الصين.

وهذه المساحة الضخمة ليست مجرد مساحة واسعة في الفراغ، وذلك لان كازاخستان بلد حباه الله الكثير من الثروات، فهي بلد الوقود الاحفوري الذي يعتبر عصب الاقتصاد العالمي. وهي من أكبر منتجي البترول في العالم، اذ لديها احتياطات مؤكدة حوالي 30 مليار برميل من البترول و 80 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهي ليست فقط منتج للبترول والغاز؛ لكنها معبر رئيسي لطرق التجارة (عبر طريق ميريدان) التي تربط الصين بدول اوروبا، لذلك فهي تعتبر تقطة الانطلاق لمشروع الحزام والطريق أي أنها المشبك أو العروة لهذا الحزام.

لكازاخستان أراضٍ خصيبة، اذ أنّ حوالي 11% من مساحتها الضخمة هي أراض خصبة وفقا للأمم المتّحدة ، وهي منتج ومصدّر رئيسي لكثير من السلع الزراعيّة وعلى رأسها القمح. كما أنّ لديها ثروات معدنية من كل الأنواع التقليدية وغير التقليدية ولديها كميات وفيرة من العناصر النادرة البالغة الأهميّة للثورة الصناعية الرابعة. وكازاخستان قوة عظمى في انتاج الاورانيوم لأنّها تنتج أكثر من 40% من الاورانيوم المستخدم في العالم. وهي مقر أهم ميناء فضائي في العالم وهي ثاني عواصم “البتكوين” والعملات المشفرة في العالم بعد الولايات المتحدة.

وهكذا، فإن لكازاخستان أهمية كبيرة جغرافيا واستراتيجيا لكل دول العالم التي سعت للاستمرار في استقرارها، ومن جهتها فقد بنت كازاخستان علاقات وديّة ومتينة مع كل الاقطاب المتنافرة في العالم(الولايات المتحدة، روسيا والصين) وأجادت الوقوف على مساحة كافية من الود والاحترام مع كل الدّول، ما دفع وزير خارجيتها السيد فاسيلينكو الى القول: “ان قلب كازاخستان كبير وفيه غرف تتّسع للجميع”.

ومع أن هذه الجمهورية لم تنل استقلالها الا حتى عام 1991، بعد أن ذاقت مرارة التهجير وضياع الهوية، الا أنّها استطاعت أن تنهض من الرماد لتطوي صفحة المجاعة والتصفيات السياسية وويلات التجارب النووية، وأن تحقق لنفسها ثقلا على الساحة الاقليمية والدولية، وتطويرا في كل المجالات السياسية والاقتصادية والانمائية والاجتماعية.

نعم! لقدعاشت كازخستان قبل 1991 مأساة انسانية بسبب التجارب النووية التي أُجريت من قبل الاتحاد السوفياتي، والتي تسببت بموت لا يقل عن مليون ونصف المليون من المواطنين الكازاخيين ، وبتحويل كازاخستان الى ارض للموت والدمار..

تجربة كازاخستان تستحق الاشادة والاعجاب نظرا للانجازات الكبيرة التي قامت بها القيادة الكازاخية على مستوى بناء المؤسسات الديموقراطية والنهوض بالانسان الكازاخي وتحسين مستوى معيشته، وزيادة نسبة الدخل الفردي وتفادي الركود الاقتصادي ورفض الاسلحة النووية، فهي تصدت بشجاعة وثبات لكل التحديات والمعوقات التي واجهتها، وأمسكت معول البناء وسارت مع شعبها نحو بناء المستقبل بسياسات مدروسة ورؤى واضحة تحمل مقومات النمو والتطور والازدهار، حتّى وضعت دولتها على خارطة الدول المتقدّمة.

لذا، فمن الضروري جدا القاء نظرة على التاريخ الانساني والسياسي لدولة كازاخستان، لدولة استطاعت أن تنتشل شعبها من الظلمة الى النور وأن تكتب بحروف من ذهب قصّة نجاح ، بل قصّة ألم حوّلتها الى سيمفونية حياة وأمل!

الكاتبة: إيمان درنيقة الكمالي

أستاذة جامعيّة

باحثة في العلوم السياسيّة


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal