متى ستلجأ واشنطن لاستخدام سلاحها النووي؟

تضمنت وثيقة “التوجيه الإستراتيجي المؤقت لإستراتيجية الأمن القومي الأميركي” الصادرة في آذار 2021 توجيهات إدارة الرئيس جو بايدن لوكالات الأمن القومي للتعامل الفوري مع التحديات الدولية.

وتعرضت الوثيقة لروسيا واعتبرتها “غير قادرة اليوم على الدخول في مواجهة مباشرة وصريحة مع الولايات المتحدة”، ثم أشارت إليها بوصفها “تلعب دورا سلبيا يقوض القوة الأميركية ويعمل على الحد من قدرتها على الدفاع عن نفسها ومصالحها”.

ودفعت الحرب الروسية على أوكرانيا الكثير من المراقبين الأميركيين إلى الدعوة لإعادة النظر في إستراتيجية بلادهم لاستخدام السلاح النووي، خاصة بعدما أمر الرئيس فلاديمير بوتين بوضع قوات الردع النووي الروسي في حالة التأهب القصوى عقب بدء الحرب على أوكرانيا.

رؤية متفائلة

بعد 4 سنوات من حكم الرئيس دونالد ترامب تبنى الرئيس بايدن سياسة نشطة تتضمن “التصدي للتهديد الوجودي الذي تشكله الأسلحة النووية، ولنتمكن من درء سباقات التسلح المكلفة ونثبت مجدداً مصداقيتنا في مجال نزع السلاح النووي”.

وتعهد بايدن في إستراتيجيته المؤقتة “باتخاذ خطوات للحد من دور الأسلحة النووية في إستراتيجيتنا للأمن القومي، مع ضمان بقاء رادعنا الإستراتيجي آمنا وفعالا، وأن تظل التزاماتنا الموسعة بالردع تجاه حلفائنا قوية وذات مصداقية”.

وبدأت إدارة بايدن مراجعة الوضع النووي في تموز 2021، وتوقعت أن تنتهي هذه المراجعة في أوائل 2022، إلا أن أزمة أوكرانيا قد دفعت لتمديد وقت هذه المراجعة في ضوء التطورات الأخيرة. وطبقا لدراسة صدرت منذ أيام من خدمة أبحاث الكونغرس، فمن المرجح أن تتضمن المراجعة تفاصيل حول “متى وكيف ولماذا قد تستخدم الأسلحة النووية لردع الخصوم وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة على التزامها بالدفاع عنهم”.

مبدأ “عدم البدء باستخدام”

من شأن تبني مبدأ “عدم البدء باستخدام” السلاح النووي أن يمثل تغييرا عن السياسة الحالية المعروفة باسم “الغموض المحسوب”، حيث تعهدت واشنطن بالامتناع عن استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير الحائزة عليها، لكنها لم تستبعد المبادرة باستخدامها في حالات وظروف لم تحددها.

وقد عالجت سياسة “الغموض المحسوب” مخاوف الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة عندما واجهت بالاشتراك مع حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) قوات تقليدية متفوقة عدديا من الاتحاد السوفياتي وحلف “وارسو” في أوروبا.

ومنذ نهاية الحرب الباردة عدلت الولايات المتحدة سياستها للحد من الدور الكبير للأسلحة النووية في الأمن القومي الأميركي، لكنها لم تعلن أنها لن تكون البادئة باستخدامها.

وفي تقرير مراجعة الوضع النووي لعام 2010 ذكرت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أن واشنطن “لن تنظر في استخدام الأسلحة النووية إلا في الظروف القصوى”، ولن تهدد أو تستخدم تلك الأسلحة تحت أي ظرف من الظروف “ضد الدول غير الحائزة عليها، وضد الأطراف في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والملتزمة بعدم الانتشار النووي”. لكن الإدارة الأميركية لم تكن مستعدة لأن تقول إن “الغرض الوحيد” من الأسلحة النووية الأميركية هو ردع الهجوم النووي، لأنها يمكن أن تتصور “مجموعة ضيقة من حالات الطوارئ” تلعب فيها الأسلحة النووية دورا في ردع الهجمات التقليدية أو الكيميائية أو البيولوجية.

تحقيق الأهداف الأميركية

من جانبها، رفضت إدارة ترامب -في تقرير مراجعة الوضع النووي لعام 2018- فكرة أن الغرض الوحيد من الأسلحة النووية هو ردع الهجوم النووي، وبالتالي لم تعتمد سياسة “عدم البدء بالاستخدام”.

وذكرت أن “الولايات المتحدة لن تنظر في استخدام الأسلحة النووية إلا في الظروف القصوى للدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها”. لكنها أشارت إلى أن الأسلحة النووية تسهم في “ردع الهجمات النووية وغير النووية وتحقيق أهداف الولايات المتحدة إذا فشل الردع”.

وفي مثل هذا السيناريو يرى البعض أن التعهد بمبدأ “عدم البدء بالاستخدام” لن يقوض الردع فحسب، بل يمكن أن يزيد أيضا خطر تصاعد الحروب التقليدية ومخاطر استخدام الأسلحة النووية.

من جهة أخرى، يرى بعض المعلقين أن مبدأ “عدم البدء بالاستخدام” يمكن أن يقوض أهداف الولايات المتحدة في مجال منع الانتشار النووي.

ويعترض بعض المحللين على هذه الاستنتاجات، ويؤكدون أن هناك نقصا في الأدلة على أن التهديد بالتصعيد النووي يمكن أن يردع الحرب التقليدية، في حين يشير آخرون إلى أن بدء أميركا باستخدام السلاح النووي قد يثير ردا ويشعل حربا نووية شاملة.

ويجادل البعض بأن سياسة “الغموض المحسوب” توفر للرئيس خيارات في أوقات الأزمات، في حين أعرب وزيرا الخارجية والدفاع السابقان جون كيري وآشتون كارتر عن قلقهما من أن سياسة “عدم البدء بالاستخدام” يمكن أن تقوض ثقة وأمن حلفاء الولايات المتحدة.

القدرات النووية الأميركية

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة خفضت عدد الرؤوس الحربية في صواريخها وقاذفاتها بعيدة المدى بما يتفق مع أحكام معاهدة ستارت لعام 2010 فإنها تقوم أيضا بتطوير نظم إيصال جديدة على مدى السنوات العشر إلى الـ30 المقبلة.

ووفقاً لبيانات رسمية، خفضت واشنطن أسلحتها النووية من 9300 رأس نووي و1239 مركبة إيصال (قاذفات، وصواريخ عابرة للقارات، وغواصات، وصواريخ متوسطة وقصيرة المدى).

ويتألف أسطول غواصات الصواريخ الباليستية الأميركية حاليا من 14 غواصة من طراز “ترايدنت” (Trident)، ويمكن لكل منها أن تحمل 20 صاروخا نوويا، وتنتشر 9 من هذه الغواصات في المحيط الهادي و5 في المحيط الأطلسي.

ويضم الأسطول الأميركي 20 من القاذفات الثقيلة ذات القدرة على حمل قنابل وصواريخ نووية، ومع الانتهاء من تنفيذ معاهدة ستارت الجديدة في شباط 2018 أصبح لدى الولايات المتحدة 1550 رأسا نوويا.

ووصل حجم الخفض في الأسلحة النووية الأميركية مستويات تاريخية، إذ حدّثت إدارة بايدن هذه الأرقام في أيلول الماضي، فوصلت إلى 1357 رأسا نوويا، و800 مركبة إيصال.

ويشير خبراء متخصصون إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تحافظ على أمنها بقوة تتراوح بين 500 وألف رأس نووي فقط.

ردع الخصوم

وفي السنوات الأخيرة أدت المخاوف بشأن زيادة الصين قدراتها النووية إلى إثارة الجدل حول عدد الأسلحة النووية التي يجب على الولايات المتحدة الاحتفاظ بها.

وفي نسخة عام 2020 من التقرير السنوي حول القوة العسكرية للصين قدر البنتاغون أن لدى الصين “مخزوناً من الرؤوس الحربية النووية منذ القرن الماضي”، وتوقع أن “يتضاعف المخزون النووي الصيني على مدى العقد المقبل”.

وجاء في التقرير أنه يمكن للصين “الحصول على 700 رأس نووي بحلول عام 2027، ومن المرجح أن تعتزم الحصول على ما لا يقل عن ألف رأس حربي بحلول عام 2030”.

ومع ذلك، يجادل آخرون بأن القوة الأميركية الحالية أكثر من كافية لردع روسيا والصين معا، لأنه حتى لو ضاعفت الصين حجم قوتها 3 مرات فستصل رؤوسها النووية إلى ما بين 600 و900 قطعة، وهو ما يظل أقل بكثير من القوة الأميركية التي تضم أكثر من 1500 رأس حربي نووي منتشرة حول العالم.

(الجزيرة)


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal