الحريري وباسيل: من يرأس الحكومة فعلياً؟… عبد الكافي الصمد

عند السّاعة الحادية عشرة ونصف من قبل ظهر أول من أمس دخل رئيس الحكومة سعد الحريري إلى القاعة الكبرى في السرايا الحكومي الكبير لترؤس الجلسة الحكومية التي كان مقرراً إنعقادها، لكن تبين أن النصاب القانوني لانعقاد الجلسة لم يكن مؤمّناً، إذ لم يحضر إلا 16 وزيراً من أصل 30 تضمّهم الحكومة.

كان يمكن إلغاء عقد الجلسة وتأجيلها لو كان غياب الوزراء طبيعياً، لكن الحريري تلقى  صدمة سياسية جديدة، ذكرته بالصدمة التي تلقاها في عام 2010 عندما استقال 11 وزيراً من حكومته ما أدى إلى إسقاطها، بعدما تبلغ أن وزير الخارجية جبران باسيل جمع وزراء تكتله في مقر الوزارة بقصر بسترس، في محاولة للضغط على الحريري والحكومة، واضعاً شرطاً مسبقاً لحضور وزرائه الجلسة الحكومية هو إحالة حادثة بلدة قبرشمون في الجبل إلى المجلس العدلي، وإلا فإن الجلسة الوزارية لن تعقد.

ما حصل أول من أمس أكد ان باسيل هو من يمسك بناصية الحكومة، وهو من يقرر إنعقادها ويؤمّن لها النصاب، متحدّياً بذلك الحريري وأعضاء الحكومة مجتمعين في سابقة لم يعرفها لبنان من قبل، بعدما وضع شروطه مسبقاً لانعقادها، ما أصاب الحريري بحرج كبير لم يواجهه أي رئيس حكومة سواه، ما استدعى إجراء إتصالات عاجلة تمّ الإتفاق بعدها على مجيء وزراء تكتل لبنان القوي إلى السرايا الحكومي، بعد قرابة ساعتين، باستثناء باسيل الذي بقي يتابع التطورات من مقر وزارة الخارجية، حفاظاً على ماء الوجه وعدم تصعيد الأمور أكثر، ثم يعلن بعدها الحريري رفع الجلسة.

وبالفعل هذا ما حصل، إذ أعلن الحريري أنه “إكتمل نصاب الحكومة، ولكن قررنا ″أن نأخذ نفساً، هناك مشكلة في البلد ونحتاج إلى 48 ساعة لتنفيس الإحتقان لذلك قرّرت تأجيل الجلسة”، قبل أن يُصرّح الحريري عن موقفين متناقضين: الأول أنه نفى عن تكتل لبنان القوي رغبته في تعطيل الجلسة، وأنه هو من ارتأى تأجيلها، وهو ما تدحضه الوقائع، والثاني أنه تحدّى من يلعب معه هذه “اللعبة″، وأن ″من يضع عليّ فيتو أضع عليه فيتوين″ من غير أن يوضح كيف سيفعل ذلك، بعدما كبّل نفسه بمواقف وقرارات لم يعد التفلّت منها سهلاً.

لم يعد خافياً أن الحريري يؤدّي دوره في رئاسة الحكومة من موقع الضعيف، وهو ضعف تعود أسبابه لعوامل داخلية وأخرى إقليمية؛ غير أن الحريري لم يقم منذ تكليفه تأليف الحكومة في أعقاب الإنتخابات النيابية التي جرت العام الماضي، بأي خطوات تسهم في التخفيف من الضعف السياسي الذي يعانيه، ومن أجل منع الأطراف الأخرى في البلاد من الإستقواء عليه وعلى الآخرين، وإرساء ″توازن″ سياسي بين القوى السياسية والطائفية يكون هو من يمسك به، لا يمنع غلبة فريق على آخر فقط، بل يمنع أي فريق من التحكّم بالحكومة وقراراتها، تعيد رئيس الحكومة إلى ″باش كاتب″، أو مجرد مدير للحكومة وليس رئيساً لها، وتجعل الإستقرار السّياسي الهشّ الذي يحكمه هذا التوازن في مهبّ الريح.

هذا الوضع الذي وصل إليه الحريري وموقع رئاسة الحكومة، الذي أظهر وكأن للحكومة رئيسين، واحد رسمي وشكلي وآخر غير رسمي وفعلي، كان قد حذر منه النوّاب السّنة من خارج تيار المستقبل الذين فازوا في الإنتخابات النيابية الأخيرة؛ فهم بالرغم من خصومتهم مع الحريري سياسياً، أبدوا حرصاً على موقع رئاسة الحكومة أكثر منه، عندما حذروه من أن ″من يضعف موقع الرئاسة الثالثة ليس تمثيلهم داخل الحكومة″، وهو ما كان يرفضه بشدّة حفاظاً على آحادية واحتكار تمثيل السّنة في الحكومة، إنما ″التنازلات التي تُقدم والتي يتبين ثمنها″، وصولاً إلى تحذيره من أن “رئيس الحكومة ممنوع عليه أن يتنازل عن أي صلاحية من صلاحيات مقام رئاسة الحكومة وصلاحيات أهل السّنة والجماعة”.


مواضيع ذات صلة:

  1. ثلاثة أشهر على أزمة النّفايات: تعثر الحلّ مرتبطٌ بمصالح تيّار سياسي؟… عبد الكافي الصمد

  2.  البلديات واستحقاق منتصف الولاية: مصالح النّاس منسية… عبد الكافي الصمد

  3. التوافقات العائلية في الضنّية: سلسة في بلديات ومتعثرة في أخرى… عبد الكافي الصمد


Post Author: SafirAlChamal