النّازحون السّوريون في لبنان بين أرقام التحريض وأرقام الحقيقة… عبد الكافي الصمد

منذ بداية تراجع الرهان على نجاح المعارضة السورية، على اختلاف تشكلاتها، في إسقاط النظام في دمشق، وتيقن الجميع أن الحكومة السّورية كسبت الحرب، وإن لم تنته بعد، بعدما بدأ الجيش السوري يستعيد سيطرته على مناطق نفوذ المعارضة تدريجياً، وبات الآن آكثر من 70 في المئة من الأراضي السورية تحت لوائه، بدأت أصوات في لبنان ترتفع مطالبة بإيجاد حلّ لأزمة النّازحين السّوريين، وسط خطاب يحمل الكثير من العنصرية والتحريض عليهم، وتحميلهم مسؤولية أغلب مشاكل البلد الإقتصادية والإجتماعية.

ولعل ما يلفت في الأمر هو أن جهات سياسية رئيسية في لبنان، ممّن ترفع اليوم الصوت مطالبة بعودة النّازحين السوريين إلى بلادهم، سواء بعد قيام تنسيق رسمي بين البلدين أو برعاية من قبل الأمم المتحدة، وتحمّلهم اليوم تبعات الأزمات التي يعاني منها لبنان، كانت في بداية الأزمة السورية، عام 2011، من القوى الرئيسية التي شجعت النازحين السوريين على المجيء باتجاه لبنان لاستخدامهم في التحريض على النظام، وهم اليوم يعملون على عرقلة عودة النازحين من خلال عدم المبادرة إلى التنسيق مع الحكومة السورية، أو التعاون مع مبادرات دولية لتسهيل عودتهم ومنها المبادرة الروسية، وذلك نتيجة ضغوط إقليمية ودولية يتعرضون لها، ما يجعل التناقض السمة الغالبة على مواقفهم من أزمة النازحين.

أكثر من ذلك، فقد ذهب هؤلاء إلى رمي أرقام ومعلومات حول تداعيات النّازحين السوريين على الأوضاع في لبنان، وتحديداً الوضعين الإقتصادي والإجتماعي، تبين سريعاً أنها أرقام لا تمتّ للحقيقة بصلة، وهي أرقام مغلوطة جرى إعدادها لغايات وأهداف لا تخدم الحقيقة ولا لبنان ولا النازحين أنفسهم.

جهتان مشهود لهما بالمصداقية كشفتا زيف المعلومات والأرقام التي تبثها جهات سياسية لبنانية حول أزمة النازحين الأولى لبنانية والثانية دولية، كشفتا بالأرقام حقيقة وجود النازحين في بلاد الأرز، وعدم صحّة ما يُنشر ويُروّج.

لبنانياً، كشفت دراسة أعدها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، أن 15.4 % فقط هي نسبة اللاجئين السوريين المسجلين من إجمالي عدد السكان في لبنان، و24.7 %  هي نسبة اللاجئين السوريين المسجلين وغير المسجلين من إجمالي عدد السكان، عكس ما يروج البعض بأن نسبتهم هي 40 %.

وتوضح الدراسة أنه منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 وحتى عام 2018، وُلد في لبنان حوالي 25 ألف طفل سوري كمعدل عام كل عام، بينما تقدر الولادات في لبنان سنوياً باستثناء المخيمات الفلسطينية واللاجئين السوريين بحوالي 90 ألف ولادة، وفق نشرة إحصائية لوزارة الصحة العام عام 2017، بينما يُروّج البعض أن الولادات السورية فاقت نظيرتها اللبنانية.

وتشير الدراسة إلى أن 29 % من الشباب اللاجئين السوريين في لبنان ممن تراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، يعملون في لبنان، حيث يعمل 86 % منهم في قطاعات البناء (24 %)، والزراعة (29 %) والخدمات الأخرى (تشمل خدمات التنظيف) (33 %)، أي أنهم عملياً لا ينافسون اليد العاملة اللبناينة، كما يشاع، إنما يلبّون حاجات سوق العمل اللبنانية في قطاعات معينة، ويسدّون النقص فيها. 

وتكشف الدراسة، عكس كل التحريض عن أن النازحين السوريين يتحملون مسؤولية إنفلات الوضع الأمني في لبنان، بأن 0.5 % من السوريين قبض عليهم لارتكابهم جرائم، من مجموع السوريين المعتقلين في لبنان عام 2016.

كما تلفت الدراسة إلى أن 27 دولاراً أميركياً لكل فرد، أي 135 دولاراً أميركياً شهرياً لأسرة مؤلفة من 5 أفراد، هو مبلغ المساعدات النقدية التي يتم تقديمها على شكل بطاقات إلكترونية إلى 654 ألف نازح سوري مسجل في لبنان.

النقطة الأخيرة تشكل مدخلاّ لجهة دولية كشفت حقيقة وجود النازحين السوريين في لبنان، وهي المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي، الذي كشف في مقابلة صحافية أن ″لبنان كان سوف ينهار لو لم نكن فيه ونقدم المال لهذا البلد مقابل وجود النازحين السوريين فيه، وأن قيمة المشاريع التي نفذناها فيه تبلغ 2.2 مليار دولار″.

وأوضح بيزلي أن ″ثلث المساعدات تذهب لشراء منتجات زراعية لبنانية، وثلث آخر لشراء منتجات لبنانية مصنعة محلياً، والثلث الأخير لشراء منتجات عالمية في السوق اللبنانية، وأن النازحين السوريين يدفعون 400 مليون دولار سنوياً بدل إيجارات منازل، وهم أمّنوا 12 ألف وظيفة للبنانيين، وهو رقم يفوق ما قدمته الحكومة اللبنانية لمواطنيها″.


مواضيع ذات صلة:

  1. الحريري وباسيل يُرمّمان التسوية: إبحثوا عن التعيينات… عبد الكافي الصمد

  2. باسيل والنّازحين السّوريين: كلامٌ شعبوي هدفه التعيينات… عبد الكافي الصمد

  3. جلسات طرح الثقة في بلديات الضنّية تنطلق: صوّان رئيساً لبلدية كفرحيو… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal