الحريري وباسيل يُرمّمان التسوية: إبحثوا عن التعيينات… عبد الكافي الصمد

كانت الساعات الخمس، وهي مدّة اللقاء الذي عقد على دفعتين بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، في السراي الحكومي ثم في بيت الوسط، كافية لأن تخطف الأضواء وتتصدر إهتمامات الطبقة السياسية والإعلامية، على حساب بقية الملفات والقضايا الأخرى، منذ اللقاء الذي جمع بين الرجلين أول من أمس.

فمنذ انتهاء اللقاء، سارعت الأوساط السّياسية والإعلامية إلى التدقيق في البيان الذي صدر عن زعيمي التيارين الأزرق والبرتقالي، وقراءة من بين سطوره، ومحاولة معرفة ما جرى الإتفاق عليه بينهما، والتقاط التسريبات من هنا وهناك في محاولة لتكوين أوسع صورة ممكنة عمّا دار في اللقاء لاستشراف المرحلة المقبلة.

لكن أبرز ما جرى الإتفاق عليه بين الحريري وباسيل، هو تمسكهما بالتسوية السياسية التي أقرت عام 2016 وأوصلت الرئيس ميشال عون إلى كرسي رئاسة الجمهورية في بعبدا، بعيداً عن كل ما قيل عن تفاهم بينهما حول ملف التعيينات ومحاصصتها، أو تبريد الأجواء السّياسية والإعلامية بين قواعد التيارين، بعد ارتفاع حدّة السجال والتراشق بينهما إعلامياً وعلى مواقع التواصل الإجتماعي.

يدرك الطرفان أن لا بديل لهما عن تلك التسوية، وأن حفاظهما عليها يُشكّل ضمانة لهما للحفاظ على مواقعهما ومصالحهما في السلطة، ولو كلٌّ من منظاره، وأن سقوط التسوية يعني دخول الجميع في المجهول، وضياع كل المكاسب التي تحققت لهما منذ إبرام التسوية قبل أقل من ثلاث سنوات.

فالحريري يدرك أن انهيار التسوية يعني خروجه من السلطة، التي باتت الحصن الأخير له للحفاظ على مصالحه وموقعه ودوره، وأن خروجه من السرايا الحكومي الكبير طوعاً أو كرهاً يعني أنه قد لا يعود إليها قريباً وبسهولة مرة ثانية، وهو أمر يجعل الحريري يبدي استعداده لتقديم تنازلات كبيرة من أجل منع حصوله.

أما باسيل، ومن ورائه تياره السّياسي، فلا يخفى عليه أن سقوط التسوية يعني سقوط تبعاتها، وأنه لن يكون ممكناً بسهولة إرساء تسوية سياسية مع أي شخصية سياسية أو تيار سياسي سنّي بديل عن الحريري، عدا عن أنه ليس مضموناً أن التسوية المقبلة ستصبّ لصالح باسيل كما الحال في التسوية التي أبرمها مع الحريري، فضلاً عن أن طموحه الجامح للوصول إلى قصر بعبدا سيتلاشى، لأنه سيخسر حليفاً سياسياً وناخباً رئيسياً لا يمكن له تعويضه، وأن هذا الحليف سيقف بعد سقوط التسوية في صفوف خصوم باسيل ومعارضي مساعيه الرئاسية.

يُضاف إلى ذلك، أن الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، يدركان أن الإستقرار السّياسي في لبنان سيتعرض لانتكاسة كبيرة في حال سقوط التسوية، خصوصاً أنهما كانا من أبرز رعاتها وصنّاعها، أقله من جهة حزب الله، كما أن الحريري يبدي تعاوناً كبيراً معهما في أغلب ملفات الداخل، وصولاً إلى تقديمه تنازلات، ولعل هذا شكّل دافعاً ليُعبّر الثنائي الشيعي بوضوح عن موقفه، بتأكيد مصادر مقربة منه أنه “لن يسمح بأن يكون الحريري مكسر عصا لأي طرف، وشمّاعة لتصفية الحسابات بين القوى السّياسية″.

ومع أن الأطراف السّياسية الأخرى، والمشاركة بأغلبها في الحكومة، تبدو منزعجة من محاولة الحريري وباسيل إختصار الحكومة بشخصيهما، وتقاسم “كعكة” السلطة والتعيينات بينهما، فإن هذه الأطراف تعرف أيضاً أن سقوط التسوية من غير وجود أي تسوية سياسية بديلة وواضحة، سينسف كل الإستقرار القائم، ولن يكونوا مستفيدين من ذلك، لكنهم برغم ذلك، لن يوفروا وسيلة كي لا يكون استمرار التسوية على حسابهم أو تحجيم دورهم السياسي أو عدم حصولهم على حصتهم من التعيينات، معتمدين بذلك على أمرين: الأول تكاتفهم في ما بينهم. والثاني يقينهم أن تفاهم الحريري وباسيل سيكون عرضة لهزّات دائمة، وأن استغلالهم ″تنافر″ الرجلين وتضارب مصالحهما، سيجعلهم يحصّلون حقوقهم، وربما أحياناً مع قيمة مضافة أو مع مفعول رجعي.


مواضيع ذات صلة:

  1. باسيل والنّازحين السّوريين: كلامٌ شعبوي هدفه التعيينات… عبد الكافي الصمد

  2. جلسات طرح الثقة في بلديات الضنّية تنطلق: صوّان رئيساً لبلدية كفرحيو… عبد الكافي الصمد

  3. قراءة في خطاب الحريري: دلالات سياسية مُعبّرة… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal