لهم مجانينهم ولنا إرهابيونا!.. بقلم: د. عاصم عبد الرحمن

ليس دفاعًا عن المسلمين ولا اتهامًا لغيرهم، وليس تبريرًا للمتطرفين ولا تحريضًا على المعتدلين، كما أنه ليس تمييزًا بين الآدميين ولا تصنيفًا للمختلفين؛ فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

إن القتل حرام في الشرائع والمعتقدات كافة، والظلم كذلك، خصوصًا عند المسلمين، فالله سبحانه وتعالى حرّمه على نفسه. ومما ورد في الحديث الصحيح عن أبي ذر الغفاري عن النبي محمد ﷺ: “يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّمًا فلا تظالموا…”، ومما قاله الرسول في خطبة حجة الوداع: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام…”. فلماذا إذًا يُرمى المسلم بتهمة الإرهاب عند وقوع أي جريمة، في حين يُصنَّف سواه ضمن خانة الاضطراب العقلي؟

إن التاريخ مليء بالشواهد على أحداث القتل والاغتيال والإبادة والتصفية الجسدية، لتحقيق غايات تسكن نفوس شياطين يقبعون في مكان ما من هذا العالم؛ يفكرون، ويخططون، ويأمرون، ويُنفَّذون بأيدٍ ضعيفة وقلوب مريضة، سُلبت إرادتها بأساليب هم أنفسهم يندهشون من شيطانيتها.

ومن بين الأساليب التي تُستخدم في تأليب الشعوب وإثارتها ضد الأنظمة والحكومات والقوى الكبرى، الحروب التي تتخذ طابعًا دينيًا، كالعدوان الأميركي على العراق عام 2003، الذي وصفه الرئيس السابق جورج بوش بالحرب الصليبية. كذلك تغذية الهوة الاجتماعية وخلق طبقات اقتصادية غير متوازنة بين الشعوب لإثارة نقمة الفقراء على الأغنياء. أما الأسلوب الذي يُعدّ الأكثر شراسة وقسوة في التاريخ البشري، فهو الإبادة الجماعية، ومنها الصربية في البوسنة والهرسك، وأطولها زمنًا الإبادة الصهيونية في فلسطين منذ عام 1909 وحتى اليوم.

وفي مواجهة السردية التقليدية عن العنف والإرهاب، تبرز واقعة أسترالية حديثة تحمل دلالة قوية على أن القيمة الأخلاقية للفعل ليست مرتبطة بالدين أو الخلفية، بل بالإنسانية نفسها. ففي 14 كانون الأول 2025، شهد شاطئ بونداي في سيدني، خلال احتفال بعيد الحانوكا، وهو أحد أبرز الأعياد اليهودية المعروفة بـ “عيد الأنوار”، هجومًا إرهابيًا مسلحًا أسفر عن مقتل عشرات المدنيين وإصابة آخرين، وصنفته الشرطة كعمل إرهابي. وفي خضم الفوضى، تقدّم أحمد الأحمد، البالغ من العمر 43 عامًا، وهو مواطن أسترالي مسلم من أصول سورية، وأب لطفلين، وصاحب محل فواكه في سيدني، نحو أحد المسلحين الذين كانوا يطلقون النار، ونجح في نزع السلاح منه وإخضاعه، معرِّضًا نفسه لخطر مباشر أسفر عن إصابته برصاصتين أثناء التدخل.

وقد كانت ردود الفعل الدولية واسعة، إذ توجه إليه رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي قائلًا: “أنت بطل أسترالي عرضت نفسك للخطر لإنقاذ آخرين”، كما أشاد به الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه، واصفًا إياه بـ”الشخص الشجاع جدًا الذي أنقذ الكثير من الأرواح”.

إن هذه الواقعة، التي تسلّط الضوء على تضحية فردية إنسانية بلا تمييز ديني أو عرقي، تطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا يُربط المسلم بالإرهاب تلقائيًا عند وقوع جريمة يرتكبها آخرون، بينما يحمل هذا المسلم نفسه أسمى معاني الشجاعة والإنقاذ؟ لم يتصرّف أحمد الأحمد بوصفه حامل هوية دينية فحسب، بل كإنسان يرى في حماية الآخرين واجبًا يفوق الخوف من الخطر، ما يجعل فعله دليلًا على أن السرديات المسبقة دائمًا ما تعمي النظر عن الحقائق الإنسانية العميقة.

إن استحضار هذا المثال الإنساني المعاصر لا يأتي بوصفه حكاية بطولة فردية، بل مرآة كاشفة للخلل في آليات الفهم والتوصيف التي تحكم الوعي العام. فكما يبيّن القرآن الكريم أن القتل محرّم أخلاقيًا ودينيًا، تبين التجارب أيضًا أن العنف صناعة منظومات لا أديان، يأتي فعل الأحمد ليؤكد على أن المسلم ليس موضوعًا دائمًا للاتهام، بل قد يكون في قلب لحظة الإنقاذ حين يختار حماية الآخر على حساب سلامته. هنا يلتقي النصان: نصٌّ يفكك السرديات، وواقعٌ يربكها بالفعل لا بالقول. ويبقى السؤال المفتوح الذي يفرض نفسه بإلحاح: كيف يعالج الإعلام الدولي مثل هذه الوقائع؟ هل بوصفها شواهد إنسانية تعيد تصحيح الصورة، أم كأخبار عابرة تُحجب دلالتها حين تهدّد الرواية السائدة؟..

 

 

 

Post Author: SafirAlChamal