لبنان وأزمة النّزوح السوري: دفن الرؤوس في الرّمال ليس حلاً.. عبد الكافي الصمد

أعادت العملية الأمنية النوعية التي قام بها الجيش اللبناني في عرسال ملف النازحين السوريين في لبنان إلى الواجهة مجدداً، بعدما أحبط الجيش بأقل قدر ممكن من الخسائر البشرية في صفوفه، التي اقتصرت على وقوع جرحى عدا عن سقوط ضحايا من بين المدنيين السوريين، أكثر من عملية إنتحارية كان إرهابيون يحضرون للقيام بها عبر أحزمة ناسفة كانوا يرتدونها.

فقد أعقب العملية ردود فعل واسعة ركّزت في معظمها على أمرين: الأول التحذير من إنفلات الوضع الأمني في مخيمات النازحين السوريين العشوائية، واحتمال تحوّلها إلى ″أوكار″ للمسلحين وللعبوات والأحزمة الناسفة، ولمن يريد من الإرهابيين القيام بعمليات إنتحارية، بعدما كشفت عملية عرسال وجود مخططين ومنفذين وأدوات متطورة وفعّالة بين أيديهم، والثاني الدعوة الى إيجاد حلّ لأزمة هؤلاء النازحين وضرورة إعادتهم إلى بلادهم بأي وسيلة، وفي أسرع وقت تجنباً للأسوأ.

وإذا كان هناك ما يشبه الإجماع حول الأمر الأول تمثل في دعم الجيش والقوى الأمنية الأخرى في مواجهة الأخطار الأمنية، فإن إنقساماً عمودياً قد ساد في الأوساط السّياسية اللبنانية حول كيفية معالجة أزمة النّازحين السوريين.

ففي حين طالب بعض الفرقاء في الحكومة اللبنانية، مثل حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، بالتواصل مع الحكومة السورية والبحث معها في إمكانية عودة بعض هؤلاء النازحين إلى المناطق التي نزحوا منها إذا كان ذلك ممكناً، أو إلى مناطق أخرى آمنة، بهدف التخفيف من عبء وجودهم في لبنان، فإن أطرافا أخرى، مثل تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي، رفضوا هذا الإقتراح نهائياً، لأنه برأيهم يعطي النظام السوري ″شرعية″ يرفضون إعطائها له، مع أنهم أكثر الأطراف شكوى من تداعيات وجود النازحين السوريين في لبنان.

يوم أمس خرج وزير الداخلية نهاد المشنوق، باسم هذا الفريق المعارض، ليشدد على أن ″الحكومة اللبنانية لن تعيد أي سوري إلى بلاده إلا وفق ضمانات دولية وإلى مناطق آمنة تحددها الأمم المتحدة″.

غير أن هذه ″الضمانات″ الدولية التي يطلبها المشنوق وفريقه السياسي غير متوافرة عملياً بعد، لا بل إنه لا يوجد حتى الآن ملامح أي قرار دولي للمساعدة في عودة هؤلاء النازحين إلى بلادهم، إنما صدر عن المنظمات والهيئات الدولية توجيهات ودعوات لـ″دمج″ النازحين السوريين في دورة الحياة الإقتصادية والإجتماعية في الدول التي نزحوا إليها، وهو أمر ترفضه أغلب القوى السياسية اللبنانية على اختلافها.

على هذا الأساس، وبعدما تجاوز وجود النازحين السوريين في لبنان الخطوط الحمراء أمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً، صدرت مواقف تدعو الحكومة اللبنانية إلى التوقف عن دفن رأسها في الرمال، والتعاطي بواقعية مع أزمة النزوح السوري التي تستفحل يوماً بعد آخر، ووضع حدّ لمقولة ″النأي بالنفس″ عن الأزمة السورية، لأن هذه الأزمة لا تنأى بنفسها عن لبنان حتى لو أراد ذلك.

وما يدلّ على تناقض القوى المعارضة للتواصل مع النظام السوري لحل أزمة النزوح السوري، أن طرفاً مثل حزب الله طلب تفويضاً حكومياً معلناً إستعداده للقيام بهذه المهمة، إلا أن أطرافاً أخرى رفضت إعطاءه هذا التفويض إستناداً إلى حسابات إنتخابية وإقليمية، مع أنها لم تعارض بالمقابل قيام حزب الله بذلك من وراء ظهرها!

وفتح هذا الأمر، باب النقاش حول إقتراحات لإعادة إحياء المجلس الأعلى السوري ـ اللبناني بهدف حلّ مشكلة النزوح، أو تكليف جهات أمنية القيام بهذه المهمة إذا كانت بعض القوى السياسية تجد حرجاً في ذلك، رافقه طرح أسئلة على معارضي التواصل مع الحكومة السورية حول رؤيتهم لحل أزمة النزوح السوري إذا كانوا لا يؤيدون الإقتراحات المطروحة، وهل إنتظار القرار الدولي الذي قد يطول صدوره، وربما يأتي على حساب لبنان، هو الحلّ لأزمة باتت هاجساً مقلقاً على كل المستويات؟

Post Author: SafirAlChamal