وأخيراً، وقع أمس رئيس الجمهورية ميشال عون المرسوم الخاص بتوزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن العام 2017 على البلديات، الذي يقضي بتوزيع مبلغ وقدره 700 مليار ليرة لبنانية على المجالس البلدية، بعدما كان وقع على المرسوم كل من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير المالية علي حسن خليل ووزيرة الداخلية والبلديات ريا حفار الحسن.
كان القرار كافياً لتتنفس المجالس البلدية الصعداء بعد سنوات عجاف جعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها وعمالها وعناصر الشرطة لديها، فضلاً عن إلتزامات أخرى كان أبرزها عدم قدرتها على رفع النفايات من الشوارع الساحات، ما أصابها بشلل واسع وجعلها ترزح تحت ضغوطات كبيرة.
قبل توقيع القرار الذي قوبل بارتياح كبير في جميع بلديات واتحادات بلديات لبنان من أقصاه إلى أقصاه، كون مبلغاً يوازي 500 مليون دولار ستوزع وتنفق في جميع المدن والبلدات والقرى اللبنانية، كانت بعض التسريبات تتحدث عن أن خزينة الدولة العامة وبسبب العجز الكبير الذي تعانية، لن تكون قادرة على دفع مستحقات البلديات من الصندوق البلدي المستقل، وأنه إذا كان هناك من مفاضلة واختيار بين إفلاس البلديات وإفلاس البلد فليكن إفلاس البلديات هو الخيار الأولى.
لكن بعد ارتفاع صرخة البلديات والضغوط التي مورست على الحكومة، جرى طرح بديل آخر، كان بمثابة تراجع الحكومة نصف خطوة غلى الوراء، وهذا الإقتراح كان ينص على دفع مستحقات البلديات بالتقسيط وعلى دفعات، بعدما كان إقتراح سابق قد طرح بأن تدفع الحكومة المستحقات المالية لكل بلدية يقل عدد سكانها على 4 آلاف نسمة، على أن يؤجل دفع مستحقات البلديات الأخرى، لكن هذا الإقتراح لم يبصر النور.
وسط أجواء التشاؤم المالية هذه، جاء توقيع الرئيس عون على مرسوم دفع عائدات البلديات ليبث أجواء تفاؤل واسعة، خصوصاً ان البلديات واتحادات البلديات ستقبض مستحقاتها قبل حلول شهر رمضان ومجيء فصل الصيف، ما سيمكنها من تفعيل نشاطها على كل الصعد التنموية والإجتماعية والبيئية التي تحتاجها جميع المناطق اللبنانية بلا استثناء.
خطوة الرئيس عون، وهي لم تكن إرتجالية ولا ناقصة، إنما جاءت مسؤولة ومدروسة، دلّت على أن كل ما يقال وينشر من أن البلد مفلس أو على شفير الإنهيار غير صحيح، وأن كل التهويل عن أن لبنان مقبل على أيام صعبة لن يكون خلالها قادراً على الإيفاء بالتزاماته، بما فيها رواتب الموظفين، إنما كانت قنابل دخانية للتعمية وحجب النظر عن أمور أخرى يتم ترتيبها بهدوء بعيداً عن الأنظار.
أبرز هذه الأمور وأخطرها كان ما كشفته بعض وسائل الإعلام أمس، عن أن الرئيس الحريري أعد ورقة تضمنت إقتراحات وزعها على القوى السياسية في البلاد، لإقرارها في موازنة العام 2019 المرتقبة، من أبرز هذه الإقتراحات تخفيض الاجور ومعاشات التقاعد 15% لمدة ثلاث سنوات، وخفض التقديمات الاجتماعية، ورفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 %، وزيادة مبلغ 5 آلاف ليرة على صفيحة البنزين، وخصخصة كل من قطاع الإتصالات والريجي والميدل إيست وكازينو لبنان، وهي إجراءات ستطال الفقراء ومتوسطي الدخل فقط، بينما سيكون المستفيد الأول منها تحالف أهل السلطة والأغنياء، بعدما أعفى الحريري في اقتراحاته المصارف من أي ضريبة على أرباحها أو فوائد أرباحها.
فهل يكون توقيع الرئيس عون على مرسوم عائدات الصندوق البلدي المستقل على البلديات، الذي كشف عدم صحّة التهويل بالعجز والإنهيار المالي، مقدمة لمنع ارتكاب الحكومة جريمة ضرائبية جديدة تتجاهل أصحاب الثروات وتكون على حساب الفقراء والبسطاء، وهل أن عون سيقدم على خطوة تصحيحية أخرى من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح؟، علما أن مكتب الرئيس الحريري الاعلامي نفى أن يكون قد أعد ورقة الاقتراحات التي ضجت بها وسائل الاعلام.
مواضيع ذات صلة:
-
جبق في الضنّية: حضور حزب الله وتجذّر الصمد وإرباك المستقبل… عبد الكافي الصمد
-
قراءة في انتخابات طرابلس: حقائق ومؤشرات ودلائل… عبد الكافي الصمد
-
أزمة نفايات الضنّية تتفاعل.. وجهات سياسية تعرقل مكبّ جيرون… عبد الكافي الصمد