أن تكون في موقع قيادي في حزب الله أو المقاومة الاسلامية فهذا يعني أنك أصبحت مدرجاً على قائمة الأهداف التي تضعها “إسرائيل” ضمن دائرة الاغتيال، ويكتسب هذا الإدراج خطورته الفائقة إذا كان هذا الموقع رأس قيادة الحزب والمقاومة، خصوصاً في هذه المرحلة من عمر الصراع مع الكيان الصهيوني والتي تشهد مواجهة لا هوادة فيها وتصل إلى أن تتخذ صفة “الحرب الوجودية” بين نهجين ومعتقدين وخطين لا سبيل للتعايش او الالتقاء بينهما إلا في حال الاصطدام المدمّر.
يطرح ما سبق وجهتي نظر متناقضين حول إشكالية التعرّض للقتل، الأولى إسرائيلية وتعتمد نظرية مفادها أنه كلما وسّعت دائرة اغتيال القيادات كلما سرّعت في شرذمة كيان الحزب والمقاومة وتشكيلاته التنظيمية والعسكرية وصولاً إلى القضاء عليه نهائياً، أما النظرية الثانية وتعتمدها المقاومة، فتؤمن بأن التعرّض للقتل اغتيالاً أو على جبهات المواجهة هي حدث متوقع في أي لحظة ومآل واقعي لكل من انتهج هذا السبيل، ويقود حتماً إلى النصر، سواء أكان بالاستشهاد أو بالغلبة في ساحة المعركة.
وتاريخ الحزب – ومن دون التطرق إلى الخلفيات العقائدية والموروثات المتّصلة بالثقافة المقاوِمة – حافل بالنماذج التي تفيد بالاعتقاد الذي أشرنا إليه، وعلى مختلف المستويات القيادية، وبذلك نفهم جرأة إعلان شورى الحزب في اختيار الشيخ نعيم فاسم أميناً عاماً لحزب الله خلفاً للشهيد السيد حسن نصر الله، على الرغم من يقين الشورى أنه سيكون على رأس لائحة الأهداف الإسرائيلية، فعلام يؤشر ذلك!؟
المشهود للشيخ قاسم أنه عايش المرحلة الممهّدة لتأسيس حزب الله بدءاً من عمله الثقافي والتربوي في حركة أمل والعمل الاسلامي عموماً وصولا إلى توليه منصب نائب الأمين العام على مدى أكثر من أربعين عاماِ ما منحه اضطلاعاً كاملاً ومواكبة شاملاً لمراحل تطوّر الحزب ومؤسساته على الصعد والمجالات المختلفة، والمعروف عنه قدراته الادارية والتنظيمية المميزة التي ستظهر بصماتها بشكل واضح لإعادة البناء المؤسساتي للحزب في الفترة المقبلة.
ولئن تأخّرت عملية الانتخاب إلى حين الإعلان عن استشهاد السيد هاشم صفي الدين بكونه الخليفة المفترض للسيد الشهيد نصر الله، إلا أن خطوة الاختيار بحد ذاتها تؤكد على جملة معطيات أهمها:
– الاستدراك السريع لتداعيات صدمة النكسات المتلاحقة التي مني بها الحزب منذ تفجيرات البيجر وصولا الى اغتيال السيد صفي الدين.
– تأكيد الحزب على تماسك أطره القيادية وترابط تشكيلاته التنظيمية، ما يشير إلى اعتماده آليات مرنة وصلبة في الوقت ذاته تسمح بتشكّل تلقائي لبنيته الأساسية في القيادة والتحكّم.
– مباشرة الهيئات السياسية والنيابية والاعلامية والاجتماعية والصحية وغيرها من التشكيلات العاملة نشاطها على الرغم من خطر الاستهداف الذي يحيق بها، وهذا بحد ذاته يعدّ تحدّياً مباشراً للعدو وكسراً لتهديداته.
– توجيه رسالة مباشرة للصديق والعدو، ولبيئته الوفية بشكل خاص أن الحزب كما المقاومة عصي على الكسر وقادر على المواجهة رغم فداحة الخسائر وهمجية العدوان الصيوني.
على أن الرسالة الأهم في جانبها السياسي، والتي حملها اختيار الشيخ قاسم، موجهة إلى الداخل اللبناني الذي تماهى مع الاستعجال الامريكي – الاسرائيلي في استشراف مرحلة ما بعد حزب الله، وتفيد بأن المعادلات الكلاسيكية للحروب لا تنطبق على الحزب، وأن اغتيال قادته وتضحيات مجاهديه وصمود أهله ومجتمعه وتجذّر انتمائه الوطني كلها مواطن قوة وليست عوامل ضعف، وما يسطّره المقاومون في ميدان الجبهة لن يختلف في خواتيمه عما سبق أن أنجزوه من انتصارات، ولكن هذه المرّة بثمن مرتفع جداً وبقيمة جديرة باستشهاد القادة الكبار كالسيد نصر الله.
Related Posts