تُثبت الوقائع أن العدوان الاسرائيلي الشامل على لبنان لم يكن مرتبطاً بأي شكل من الأشكال بجبهة الإسناد التي أطلقها حزب الله في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، بل هو عدوان مخطط له منذ سنوات، أعدت إسرائيل كامل عدتها له، بهدف تغيير الواقع القائم في جنوب لبنان.
دلالات كثيرة تؤكد هذا الأمر، لجهة:
أولا: أن أجهزة البايجر واللاسلكية التي إنفجرت وتسببت بمجزرة غير مسبوقة، دخلت الى لبنان قبل سنوات، ما يشير الى أن إسرائيل كانت تخطط للتفجير والاجتياح قبل تنفيذ حركة حماس عملية طوفان الأقصى.
ثانيا: أن وزير الحرب الاسرائيلي يوآف غالانت إقترح في اليوم التالي لانطلاق العدوان على غزة أن يترافق مع عدوان صهيوني على لبنان لضرب المقاومة وتفكيك وحداتها.
ثالثا: لم يخل أي تصريح للمسؤولين الاسرائيليين في السابع من أكتوبر من الدعوة الى الاعتداء على لبنان وضرب البنية العسكرية للمقاومة، والاستفادة من الدعم الدولي الجامع لاسرائيل.
رابعا: لو كان العدوان مرتبطا بجبهة الاسناد لما إنتظرت إسرائيل سنة كاملة للقيام بحربها على لبنان.
خامسا: الحديث منذ سنوات عن أن العدوان الاسرائيلي على لبنان سيكون في ربيع أو صيف العام ٢٠٢٤، بعدما ضاقت إسرائيل ذرعا بقوة المقاومة وإمتلاكها الأسلحة التي تهدد مستوطناتها التي تهجرت بفعل ضرباتها.
سادسا: حديث رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن تغيير وجه الشرق الأوسط، وهو الكلام نفسه الذي قالته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس في عدوان تموز في العام ٢٠٠٦، حيث أكدت أن “ما يشهده لبنان هو مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد”.
سابعا: التدمير المنهجي الذي تقوم به إسرائيل للقرى الجنوبية الأمامية وإستهداف التاريخ والحضارة والتراث والآثار وحتى مدافن الأموات، ما يشير الى أن إسرائيل تستعد لخطة توسعية إستيطانية في الجنوب اللبناني، ولعل الفيديوهات التي يعممها الكيان الصهيوني عن الأب الذي يعلم طفله أن جنوب لبنان هو إمتداد لأرض الجليل الأعلى وانه من ضمن أراضي إسرائيل ويجب أن يستوطن فيه الصهاينة هو أكبر دليل على أن العدوان ليس ردا على جبهة الاسناد وإنما هو ضمن مخطط إسرائيل التوسعي الذي تحاول في كل فترة تنفيذه وتفشل بفعل تصدي وصمود المقاومة.
لا شك في أن نتنياهو المندفع نحو الحرب يريد التأسيس لنفوذ إسرائيلي داخل لبنان، وهذا ما يظهر جليا في تصريحاته وفي التسريبات حول أوراق تتم مناقشتها في هذا الاطار، لذلك هو يرفض اليوم كل الاقتراحات المقدمة بما يتعلق بتطبيق القرار ١٧٠١ على جانبيّ الحدود، ويذهب نحو عمليات إبادة جماعية في كثير من مناطق البقاع والجنوب والضاحية، ويحاول في الوقت نفسه القيام بإجتياح القرى الحدودية لتغيير الواقع القائم، لكن المواجهات الضارية التي تخوضها المقاومة ضد فرق الجيش الاسرائيلي التي تنفذ هذا الهجوم، أدت الى إنقلاب السحر على الساحر، وأدخلت نتنياهو في دائرة من الضغط في الداخل الاسرائيلي الذي يسأل عن أهداف الحرب على غزة وعلى لبنان والتي فشل في تحقيق أي منها بالرغم من الأثمان الباهظة التي يدفعها، وضمن قيادة جيشه التي تؤكد “أننا نخوض حربا من دون بوصلة ومن دون أهداف ولا أفق لها”، ومن خلال الضغط الدولي لوقف إطلاق النار والرضوخ للحل الدبلوماسي.
من المعروف أن نتنياهو لا يقيم وزنًا للقرارات الدولية ولا للأمم المتحدة التي إستهدف قواتها العاملة في الجنوب، ولا للمفاوضات الجارية، لذلك لم يعد هناك سوى الميدان الذي سيكون له الكلمة الفصل في إيلام إسرائيل وفي دفع نتنياهو الى الركون للمفاوضات، تماما كما حصل في العام ٢٠٠٦ حيث كان نتنياهو يرفض القرار ١٧٠١، الى أن جاءت مجزرة الميركافا في وادي الحجير والتي أجبرته على الرضوخ لهذا القرار، ومن المفترض عاجلا أم آجلا أن يعيد التاريخ نفسه، خصوصا مع إستعادة المقاومة عافيتها، وتفعيل عملياتها وصلياتها الصاروخية وصولا الى تهجير نتنياهو من منزله في قيساريا الى جانب مئات الآلاف من النازحين الصهاينة الذين تؤكد الوقائع أنهم يتزايدون بشكل مضطرد بدل أن تعيدهم الحرب الى مستوطناتهم بأمان.
Related Posts