عندما أعلن الإسرائيليون في 17 تشرين الأوّل الجاري عن تمكّن جيشهم من اغتيال رئيس المكتب السّياسي في حركة حماس الشّهيد يحيى السّنوار، روّج إعلام العدو مع حلفائه الغربيين أنّ جيش العدو قد تمكّن من تحقيق نصر سُجّل من خلال القضاء على مهندس عملية طوفان الاقصى، التي حصلت في 7 تشرين الأوّل من العام الماضي، واعتبرت أكبر هزيمة تنزل بالكيان منذ نشأته.
غير أنّ الإسرائيليين، وحلفائهم، أخطأوا في حساباتهم كما فعلوا سابقاً إثر اغتيالهم الرئيس السّابق للمكتب السّياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 31 تمّوز الماضي، عندما ظنّوا بأنّ القضاء على رأس هرم المقاومة فإن المقاومة سوف تسقط، فأتى الردّ باختيار السّنوار خلفاً لهنية، ما جعل كثير من المراقبين يعتبرون أنّ الإسرائيليين سوف يندمون كثيراً على اغتيال هنية كونه كان مقدمة للإتيان بالسّنوار.
إغتيال السّنوار الذي أضحت صوره ومواقفه إيقونة المقاومين في فلسطين ولبنان والعالم، لن توصل الإسرائيليين إلّا إلى النتيجة نفسها، وهي أنّ من سيخلف السّنوار سيكون أشدّ منه تمسكاّ بالمقاومة حتى تحقيقها أهدافها، مهما طالت الحرب، لأنّ الجيل الجديد من الفلسطينيين سيكون أشدّ وأصلب مقارنة بالإجيال السابقة التي مرت بتاريخ المقاومة، في ضوء حجم الجرائم والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بوحشية لم يعرفها العالم من قبل.
وصية السّنوار التي وُزّعت إثر استشهاده وتحوّلت إلى “أبجدية” المقاومين في قطاع غزّة والضفّة الغربية ولبنان والعالم، يحفظونها عن ظهر قلب، تدلّ بوضوح على ذلك، ومن يقرأها بهدوء وتمعّن يدرك جيداً أنّ الإسرائيليين ينتظرهم جيل جديد من المقاومين لم يعرفوه من قبل.
بعض وصايا السنوار لا تقبل الشّكّ بذلك، مثل : “لا تهابوا السّجون” وهو الذي قضى فيها 26 عاماً، ودعوته “أن تظلوا متمسكين بالبندقية، بالكرامة التي لا تُساوم، وبالحلم الذي لا يموت”، ما يعني أنّ المقاومة مستمرة كالطوفان، وكذلك دعوته المقاومين أنّ “لا تُفاوضوا على ما هو حقّ لكم” وهي دعوة تضع سقفاً عالياً لأيّ تفاوض محتمل، وتُذكّر برفض المقاومين في فيتنام إجراء أيّ مفاوضات مع الولايات المتحدة قبل أن تنسحب من بلادهم، وهو ما حصل بعدما كبّدت المقاومة الفيتنامية الجيش الأميركي خسائر موجعة أجبرته على الإنسحاب.
السّنوار الذي أوضح لجيل المقاومة أنّ “ثمن الإستسلام أكبر بكثير”، ما رآه كثيرون، شطب نهائي لفكرة رفع الراية البيضاء للإحتلال من وجدان المقاومين وعقولهم مهما كانت التضحيات، دعا المقاومين في ختام وصيته إلى “أن تتذكروا دائماً أنّ المقاومة ليست عبثاً، وليست مجرد رصاصة تطلق، بل هي حياة نحياها بشرف وكرامة”.
هذه الحقائق عن المقاومة أشار إليها الصحافي الفرنسي المعروف آلان غريش، وهو صاحب مؤلفات وكتب عدّة آخرها كتاب “فلسطين: شعب يرفض أن يموت”، بقوله إنّ “الشّعب الإسرائيلي يعتقد حتى الآن أنّ في إمكان دولته أن تستمر بسياسات الإستيطان والتطهير العرقي والحرب، وأن ينعم رغم ذلك كلّه بحياة طبيعية أو شبه طبيعية”، قبل أن ينقض هذه الإعتقادات بقوله إن “اسرائيل لن تغيّر سياستها إذا لم تتخذ خطوات ملموسة ضدها”، وهو هنا يعني المقاومة وليس آي أمر آخر.
Related Posts