الراعي: انتخاب رئيس للجمهوريّة لا يتحمّل بعد اليوم أي تأخير أيًّا تكن الأسباب

ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي، قداس أحد الورديّة في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، يعاونه القيم البطريركي الاب طوني الآغا والخوري جورج يرق والابوان هادي ضو ووسام وهبة، بحضور رئيس حركة الاستقلال النائب ميشال معوض، النائب السابق جواد بولس، رئيس بلدية رميش ميلاد العلم على رأس وفد من الفاعليات، امين عام لجنة اصدقاء غابة الارز بيار كيروز والمحامي ميلاد جبرايل وافراد عائلته وحشد من المؤمنين.

وبعد تلاوة الانجيل المقدس، القى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “من تراه الخادم الأمين الحكيم” (متى 24: 45). وقال: “كلام المسيح الربّ يدور حول النهايات: نهاية الأزمنة، ونهاية حياة كلّ إنسان بموته. وفي كلا النهايتين الدينونة والخلاص الأبديّ أو الهلاك. فينبغي أن يكون كلّ شخص أمينًا وحكيمًا في القيام بواجبه كمسؤول في الحياة أو العائلة أو الكنيسة، أو المجتمع أو الدولة. فالمسؤوليّة لدي جميع الناس، لكنّها تتفاوت بين شخص وآخر. فإمّا ينكبّ على مسؤوليّته بأمانة وحكمة فينال الخلاص، وإمّا يهملها بحياة الطيش فيكون مصيره الهلاك الأبديّ”.

أضاف: “تحتفل الكنيسة اليوم بأحد الورديّة المقدّسة. فيقوم المؤمنون بتلاوتها في الرعايا، وفي كلّ مساء في العائلة جماعيًّا أو إفراديًّا. فالمسبحة صلاة محبّبة على قلب العذراء مريم، وقد أوصت بتلاوتها في العديد من المناسبات والظهورات “من أجل نهاية الحروب وإحلال السلام” و”من أجل إرتداد الخطأة إلى التوبة والحياة الجديدة”. وكثيرون صلّوا الورديّة من أجل نوايا خاصّة، وقد نالوها، ومن بين هؤلاء القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني الذي أضاف على أسرارها أسرار النور التي تكمّلها، فقال: “كلّ سرّ حياتي هو في تلاوة مسبحة الورديّة يوميًّا”. فلنقبل على صلاتها. وها المؤمنون يضعون المسبحة بين أنامل موتاهم، لإعتبار المسبحة جواز سفرهم إلى الحياة الخالدة”.

وتابع: “يسعدني أن أرحبّ بكم واليوم هو الأحد الذي نختتم به أشهر الصيف في كرسيّنا بالديمان لنعود إلى كرسيّنا في بكركي. فنشكر الله على أشهر الصيف الثلاثة التي قضيناها معكم، وعلى نعمه وبركاته. وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة كاملة مقبل بلعيس زوجة المرحوم نعيم أنطونيوس جبرايل التي ودّعناها يوم الإثنين الماضي مع أبنائها الأربعة وابنتها الوحيدة، ومع أهالي كفرزينا. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسها وعزاء أسرتها وأنسبائها. وننوّه بابنها المحامي ميلاد الذي نتعاون معه في الكرسيّ البطريركيّ بالديمان”.

وقال: “يتكلّم الربّ يسوع في إنجيل اليوم عن كلّ إنسان يحمل مسؤوليّة ما في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. وهي مسؤوليّة تأمين الخير العام الذي منه خير الأفراد وخير الجميع. فينبغي أن يتحلّى المسؤول بالأمانة والحكمة، لكي يستمرّ وفيًّا لموكّله وللأشخاص الموكّل عليهم ولواجبه. ويذكّره بأنّه سيؤدّي حسابًا لله الديّان. فيكون خلاصه أو هلاكه الأبديّ مرتبطًا بأمانته أو بخيانته. فإن كان أمينًا وحكيمًا “أقامه سيّده على كلّ ممتلكاته” (آية 47). وإذا كان غير أمين وحكيم “فصله وجعل نصيبه مع الكافرين”(آية 51). الأمانة تفترض المحبّة في قلب المسؤول. فلا يستطيع أن يكون ملتزمًا بواجب مسؤوليّته، إذا لم يكن في قلبه حبّ لموكّله ولواجبه وللأشخاص الموكّل عليهم. وليتذكّر المسؤول أنّه بفعل حبّ وثقة أسندت إليه المسؤوليّة. الأمانة تقتضي المبادلة بالحبّ والبقاء على مستوى الثقة. أمّا الحكمة، وهي من مواهب الروح القدس السبع، فتبلغ ذروتها في مخافة الله. ذلك أنّها ممارسة المسؤوليّة تحت نظر الله، والانتباه الدائم إلى مرضاته في كلّ عمل وتدبير. ولذلك، يستلهم المسؤول أنوار الله وكلامه ورسومه، فينتصر على المصاعب، وعلى الإغراءات والتجارب”.

اضاف: “في كتاب رؤيا القدّيس يوحنّا، أمر الربّ يوحنّا أن يكتب إلى ملاك إزمير: “كن أمينًا حتى الموت، وأنا أعطيك إكليل الحياة” (رؤيا 2: 10)، “الإكليل” هو رمز سلطة الحكم في هذا العالم، التي تأتي من الله، وإليه ينبغي أن تعود. لكنّ “أركون هذا العالم” أي الشيطان يسلب هذه السلطة، ويضع الناس في صراع ونزاع فيما بينهم. وهكذا تبدأ خيانة الأمانة لله والناس الذين منحوا المسؤول ثقتهم ومحبّتهم. فيصبح الصراع بين الساعين إلى السلطة أو بين حامليها، والكلّ على حساب الشعب والأشخاص الموكلين عليهم. هذا هو واقع الأولاد عند خلاف الوالدين؛ وهذه حال المواطنين عندما يلهى أهل السلطة المدنيّة بمصالحهم أو بنزاعاتهم. فالسلطة فنٌّ شريف لخدمة الإنسان والخير العام. فتوجب على المسؤولين أن يؤمّنوا للمواطنين الأوضاع الحياتيّة التي تمكّنهم من تحقيق ذواتهم تحقيقًا أفضل. وذلك من خلال ممارستهم المسؤولة على كلّ من المستوى التشريعي والإجرائي، والإقتصادي والإداريّ، والقضائي والثقافي. وعليهم أن يتّخذوا كقاعدة لنشاطاتهم الشخص البشريّ وكرامته وحقوقه الأساسيّة ونموّه الشامل. وتوجب عليهم مسؤوليّتهم السياسيّة توطيد السلام والعدالة والإستقرار الأمني، وحماية سيادة الدولة والكرامة الوطنيّة”.

وتابع: “اليوم، مطلوب من المسؤولين السياسيّين عندنا، على اختلاف مواقعهم، تناسي نقاط الخلاف، والتلاقي بروح المسؤوليّة التاريخيّة، والعمل بجديّة على انتخاب رئيس للجمهوريّة يحظى بالثقة الداخليّة والخارجيّة. فإنّ انتخابه أولويّة في ظروفنا الحاضرة: لكي يبني الوحدة الوطنيّة الداخليّة، ولكي يسهر على تنفيذ القرار 1701 ووقف النار، ولكي يتولّى المفاوضات بشأن نقاط البحث المطروحة، وبشأن موقع لبنان في محيطه، ولكي ينتظم معه مجلس النوّاب ومجلس الوزراء، ولكي يستعيد موقع لبنان في الأسرتين العربيّة والدوليّة، ولكي يرعى شؤون النازحين اللبنانيّين الذين تجاوز عددهم المليون نسمة، ولكي يعمل مع سوريا والأسرة الدوليّة على عودة النازحين السوريّين إلى بلادهم ومساعدتهم هناك”.

وأكد الراعي إنّ “انتخاب رئيس للجمهوريّة لا يتحمّل بعد اليوم أي تأخير، أيًّا تكن الأسباب. فانتخابه يفوق كلّ اعتبار. إنّ عدم انتخابه لمدّة سنتين كان بحدّ ذاته جرمًا من المجلس النيابيّ لأنّه أدّى إلى تفكّك أوصال الدولة في ظرف دقيق للغاية. وإنّا من جديد نعزّي عائلات ضحايا الحرب، ونرجو للجرحى الشفاء، وللمنكوبين العودة إلى ديارهم”.

وختم: “فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، من أجل توقّف الحرب في لبنان، وعودة اللاجئين إلى مناطقهم، وانتخاب رئيس للجمهوريّة، والتزام الحكومة والمؤسّسات الحكوميّة وغير الحكوميّة والمبادرات الجماعيّة والإفراديّة في تأمين المساعدات للعائلات النازحة من الجنوب وبيروت وبعلبّك وسواها، ونلتمس من الله رحمته علينا وعلى شعبنا ووطننا لبنان الجريح، فنرفع إليه الشكر والتسبيح الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

وبعد القداس استقبل البطريرك النائب معوض الذي قال بعد اللقاء أن “الاولوية المطلقة وقف اراقة الدماء والدمار والحفاظ على ما تبقى من هذا الوطن وايقاف المآسي التي تصيب اللبنانيين في حرب لم يختاروها”، مضيفا “استعيد ما ورد على لسان وزير خارجية ايران خلال زيارته الى لبنان لأقول أن لبنان ليس مستعمرة، لبنان وطن سيد حر ومستقل،والشعب اللبناني ليس وقودا لمصالح اقليمية وللعبة الاقليم ،ونحن نرفض ربط الساحات ونرفض المفاوضات على حساب واشلاء الشعب اللبناني ونؤكد على فصل لبنان عن اي قضية اخرى وان اولويتنا المطلقة وقف الحرب، وهذا يتطلب من الحكومة الحصول على التزام حقيقي بوقف اطلاق النار وانتخاب رئيس اليوم قبل الغد، رئيس يمكنه ان يحكم ويتكلم باسم لبنان في الخارج ويؤمن شبكة امان دولية حول لبنان، رئيس يعيد الجميع تحت سقف الدستور، تحت سقف الدولة السيدة في الداخل. ولا يمكن الاتيان برئيس رمادي وضعيف بل يجب الاتيان برئيس يمكنه التواصل مع الجميع ويمكنه استعادة سلطة الدولة لنعيد كل اللبنانيين تحت سقف الدولة”.

واضاف: “علينا ثانيا ان نعمل على التحضير لمرحلة ما بعد الحرب، لأنه لا يمكننا بناء لبنان على نفس الاسس التي اوصلت الى تدميره. ونحن كنا واضحين واظهرت الايام ان كل الرهانات الاقليمية اوصلت الى دمار لبنان، والمطلوب ان يكون لدينا ارادة جامعة لنعيد بناء هذا الوطن مع بعضنا البعض وبالتساوي خارج منطق الاستقواء وخارج منطق الغالب والمغلوب، وهذا يتطلب ان نعود جميعا تحت سقف الدستور، تحت سقف الدولة الجامعة السيدة، تحت سقف شبكة امان عربية وتحت سقف امان دولية عبر تطبيق القوتنين 1701،1680و1559 لنتمكن حقيقة من استعادة سلطة الدولة ونكون متساوين بالحقوق والواجبات”.

ثم استقبل الراعي رئيس بلدية رميش ميلاد العلم والوفد المرافق، الذين وضعوا البطريرك في اجواء صمود الاهالي في قراهم وبلداتهم وسبل دعم البقاء في القرى المسيحية في منطقة مرجعيون مرورا برميش وكافة القرى الحدودية.

كما استقبل عائلة جبرايل الذين شكروه على مواساتهم بفقدان والدتهم.

وتجدر الاشارة الى ان البطريرك الراعي يختتم غدا اقامته الصيفية في الديمان وفي ربوع الوادي المقدس وينتقل الى بكركي.


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal