الجامعة العربية وحزب الله.. إلى أين؟.. وسام مصطفى

جاء إعلان الموفد الخاص للجامعة العربية إلى بيروت حسام زكي عن إسقاط حزب الله من قائمة التنظيمات الإرهابية المعتمدة لدى الجامعة مفاجئاً للأوساط المحلية والعربية والدولية، ولعلّ هذا الموقف الذي صدر عن أعلى منصب دبلوماسي ممثّل للعرب ودولهم، قد استفزّ الكثير من المواقع السياسية الداخلية والخارجية، خصوصاً أنه جاء بعد لقاء زكي رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ما أسبغ عليه جدّيته وصفته الرسمية جداً.

وسرعان ما تبدّت الاعتراضات العلنية والخفية على هذا الموقف وكان أبرزها بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي جدّد اعتبار “حزب الله منظّمة إرهابية خطيرة، ولا نرى مبرّراً لرفعها من قائمة المنظمات الإرهابية”، ولئن كان هذا الموقف لم يأتِ بجديد في قرارات السياسة الأمريكية، بل جاء في سياق التصريحات الروتينية التي دأبت واشنطن على تكرارها لتأكيد مواقفها الخارجية، ولكنه حمل هذه المرّة رسالة مباشرة تعبّر عن استياء واضح من خروج الموقف العربي عن منظومة التوجهات التي تعتمدها واشنطن حيال كل ما يتّصل بإيران وحزب الله وقوى محور المقاومة، أو بكل جهة أو دولة أو طرف لا يسير وفق هذه التوجهات، فكيف إذا تعلّق الأمر بحزب يشعل اليوم جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية ضد “إسرائيل” صنيعة الغرب وتمثّل مشروعه التوسعي في المنطقة؟!

ومن هذا المنطلق يمكن لنا تفسير محاولة استدراك زكي لموقفه السابق ليقول إن “تصريحاته فُسِّرت في غير سياقها الصحيح”، وليؤكد أن ما قاله “لا يعني بأيّ حال زوال التحفّظات والاعتراضات العديدة على سلوك وسياسات وأفعال ومواقف الحزب، ليس فقط داخلياً وإنّما إقليمياً أيضاً”. وما جرى من إعلان ثم استدراك للموقف يفتح الباب أمام عدة احتمالات: هل إن زكي أخطأ في ترجمة الموقف العربي فبالغ في التعبير؟ أم أنه عبّر عن موقف مصري دون تنسيق مع الرياض وواشنطن؟ أم أنه وقع تحت تأثير مهمته المكلّف بها فأعلن هذا الموقف بهدف استدراج مواقف إيجابية من حزب الله حيال بنود الأجندة التي طرحها خلال لقائه بالنائب رعد؟

الاحتمالات المذكورة كلّها واردة في سياق الترجيح، وهي طغت بآثارها وهزّاتها الارتدادية في عواصم القرار العربي والغربي على ما تم طرحه ومناقشته في اللقاء الذي جرى، وغطّت على النقاش في الأسباب التي دفعت زكي إلى التواصل مع “حزب إرهابي” وفق التصنيف العربي، فالرجل لم يأتِ من تلقاء نفسه أو اجترح زيارة من عندياته، بل جاء بتكليف رسمي وواضح وفق توجّه عربي يقضي بضرورة التلاقي مع حزب الله بكونه الطرف الفاعل والأقوى في لبنان، ولا يمكن تجاوزه بما ومن يمثّل من ثقل وازن في أي معادلة تتصل بالإقليم والمنطقة.

ولا يخفى أن القمة العربية التي انعقدت في جدة عام 2023 مهّدت لهذا الاتجاه بقرار رفع الحزب عن قائمة التنظيمات الإرهابية، والأقوى أنه جاء نتيجة مراجعة نقدية أجرته العواصم المؤثرة في القرار العربي – ولا سيما السعودية ومصر – للنهج الذي تتّبعه في لبنان والمنطقة، خصوصاً أن هذا النهج لم يؤتِ ثماره في إحداث أي تغيير على مسرح التطوّرات في الساحة العربية والإقليمية، ولم يؤدِ إلى فتح كوّة في جدار الفراغ السياسي اللبناني، بل أسهمت في استمرار حال المراوحة، وصولاً إلى المرحلة الراهنة التي تهدّد بإشعال المنطقة برمّتها على وقع معركة “طوفان الأقصى”.

بالعودة إلى زكي فإن ما رشح عن لقائه بالنائب رعد يوضح إغراقه لمضيفه بالمديح لحزب الله ودوره الطليعي في دعم القضية الفلسطينية ومبادرته في الدفاع عن الشعب الصامد في قطاع غزة، وهو جاء بأجندة واضحة البنود والعناوين والأسئلة التي طمح أن ينال أجوبة واضحة عليها، ومنها ما يتعلّق بأداء الحزب في جبهة إسناد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ودوره المحوري الفاعل في القضايا الأساسية في المنطقة، أما بالنسبة للملف اللبناني فقد أبدى المبعوث المصري – العربي الحرص على وضع العجلة على سكة الحل المرضي لجميع الأطراف بما يفضي إلى انتخاب رئيس الجمهورية، خصوصاً أن المنطقة قادمة على مجموعة من الاستحقاقات التي قد تتمخّض عن الرؤية الأمريكية الشاملة للتسوية في المنطقة انطلاقاً من اليوم التالي بعد الحرب على غزة.

ولم يكن زكي في طرح بنود أجندته في موقع المسايرة أو المواربة، حيث نصح حزب الله عبر النائب رعد أن يبادر إلى ترميم علاقته مع الدول العربية وتسوية خلافاته معها وإنهاء القطيعة المستمرة منذ سنوات، ولم يحصل زكي على أي جواب مباشر سوى ملاحظة من النائب رعد بضرورة أن تبدأ مسيرة ترميم العلاقات انطلاقاً من القاهرة، وإذا كان الأخوة العرب يعتبرون أن لحزب الله دوراً إيجابياً مؤثراً في المستقبل، فهذه هي الفرصة السانحة للعرب لاستئناف علاقات سليمة مع الحزب، وهي خطوة مرحب بها.

أوساط مراقبة علّقت على القضية بالقول إن “موقف زكي جاء أيضاً في لحظة زمنية حسّاسة متّصلة بالمجريات السياسية والميدانية في فلسطين المحتلة، حيث تواجه واشنطن وتل أبيب مأزق الخروج من عنق الزجاجة الملتهب بمشروع حلّ لا يسقط بنيامين نتنياهو ولا يقيّض النصر لحماس وحزب الله، ولكن على الرغم من ذلك – وفق الأوساط نفسها – فإن التوجّه العربي للانفتاح على حزب الله هو توجّه فعلي، ولا ينفصل عن مسار حل القضايا العالقة مع خصوم الأمس (إيران وسوريا)، وقد أفرزت عملية تقييم نتائج التطوّرات السياسية والعسكرية في المرحلة السابقة توافقاً عربياً على اعتماد سياسة جديدة تختزن في طيّاتها اعترافاً بأهمية حضور حزب الله ودوره وكذلك حركات المقاومة وقوى المحور، ولا سيّما مع اعتراف الأمريكيين والإسرائيليين أنفسهم باستحالة القضاء على حركة حماس، وبالتالي لا بد من انتهاج سياسة مختلفة تقود في خلاصاتها إلى إزالة فتائل التفجير في المنطقة”.

وتختم الأوساط بالقول إن “الموقف الأمريكي وما تبعه من استدراك عربي لا يغيّر من حقيقة الواقع المستجدّ الذي من شأنه أن يمهّد لمرحلة جديدة من العلاقة بين الجامعة العربية وحزب الله، وهذا ما تقرّ به واشنطن عملياً”، مشيرة إلى أن “زيارات آموس هوكستين إلى بيروت ولقاءاته مع الشخصيات القريبة أو المقرّبة من حزب الله خير دليل على هذا الإقرار، ولو أن الحزب وافق على طلبات هوكستين المتكرّرة للقاء به لرأيناه في حارة حريك دون تردّد”.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal