ليست حربا واحدة تلك التي تخوضها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، وترتكب فيها أبشع مجازر الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج بحق غزة وأهلها، بل هي سلسلة من الحروب ألحقت بالكيان الغاصب خسائر بالجملة وأزالت كل ما لديه من أقنعة، وصولا الى إقتياده بالجرم المشهود الى محكمة العدل الدولية في لاهاي.
في عملية طوفان الأقصى التي نفذها ثلة من مجاهدي كتائب القسام في غلاف غزة، تعرضت إسرائيل لأكبر هزيمة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، حيث فشلت بعسكرها ومنظومتها التجسسية والرقابية ومخابراتها وإستطلاعاتها في كشف الهجوم القسّامي، فإستفاق الجنود الصهاينة في مراكزهم العسكرية على وجوه مقنعه تقودهم الى الأسر في مشاهد مذلة سيخلدها التاريخ، ودخل الرعب الى نفوس المستوطنين الذين لم يجدوا من يدافع عنهم أو ينقذهم من جيشهم الذي بدا عاجزا عن التعامل مع الهجوم المباغت، وحكومتهم التي سارعت الى إعتبار نفسها في حالة حرب وكان ذلك بمثابة الإقرار بالهزيمة التاريخية.
ما حصل في السابع من أكتوبر إنتهى في اليوم نفسه، وسجلت المقاومة فيه نصرا مؤزرا غير مسبوق ردت من خلاله على 75 عاما من الغطرسة والجرائم والاحتلالات والتوسعات وبناء المستوطنات الاسرائيلية، ومن الظلم والحقد والقهر والقتل والاعتقال والتعذيب لهذا الكيان الغاصب.
في اليوم التالي لطوفان الأقصى، أي قبل 99 يوما بدأت الآلة الحربية الإسرائيلية بالإنتقام من أهالي غزة، وخرج نتنياهو ليعلن بأن أهداف حرب “السيوف الحديدية” هي إستعادة الأسرى الاسرائيليين بالقوة من دون مفاوضات، والقضاء على حركة المقاومة الاسلامية “حماس”، وتهجير الفلسطينيين من غزة لضمان أمن المستوطنين في غلاف غزة، وأبلغ الحليف الأميركي الذي حشد له التأييد العالمي بأن الحرب هي مسألة أيام أو أسابيع على أبعد تقدير.
بدأ العدو الصهيوني بالقتل فإستهدف المدنيين في منازلهم ومستشفياتهم وجوامعهم وكنائسهم ومدارسهم ومراكز عملهم، حاصدا الآلاف من الشهداء والجرحى المدنيين، وركز الاجرام الاسرائيلي على مستقبل فلسطين وذاكرتها وحاضرها بقتل الأطفال وكبار السن، والشباب، وعمل على طمس الحقيقة بإستهداف الصحافيين، ليضرب كل ما يمكن أن يبقي القضية الفلسطينية حاضرة، ثم عمل على تدمير كل ما صادفته طائراته وصواريخه، وبشكل ممنهج للفضاء على كل تفاصيل وأنواع الحياة في غزة، لكنه في الوقت نفسه لم يقض على المقاومة.
سجلت المقاومة الفلسطينية أروع ملاحم البطولة، بالصمود والتصدي وإطلاق الصواريخ الى العمق الاسرائيلي، وفي مرحلة الاجتياح بتنفيذ العمليات النوعية ومحاصرة النقاط الصهيونية وإستهداف الجنود والآليات وإلحاق الخسائر الجسيمة بالعدو، ومنعه من تحقيق أهدافه التي بدأ الداعم الأميركي يسأل حكومة نتنياهو عنها من دون أن يكون للأخير أي جواب مقنع سوى محاولات توسيع الحرب للبقاء على قيد الحياة السياسية.
مرّ مئة يوم على طوفان الأقصى والسيوف الحديدية وعلى الجبهة الشمالية التي ساندت فيها المقاومة الاسلامية في لبنان مقاومة فلسطين بهدف التخفيف عنها وإشغال الجيش الاسرائيلي الذي حشد لتلك الجبهة مئة ألف جندي صهيوني، فماذا كانت النتيجة.
أولا: هزيمة إسرائيل في عملية طوفان الأقصى وخسارتها هيبتها، وسقوط كل منظومتها العسكرية والأمنية.
ثانيا: هزيمة إسرائيل في غزة بعدم قدرتها بالرغم من مرور مئة يوم على تحقيق أهدافها من الحرب لا في القضاء على حماس ولا في تحرير الأسرى ولا في التهجير.
ثالثا: هزيمة إسرائيل في الجبهة الشمالية بفشلها في إعادة المستوطنين الى المستوطنات الحدودية التي نزحوا منها، والتفتيش عن الحل الدبلوماسي عبر القرار 1701 الذي لن ينفذ إلا وفقا لشروط لبنان، بعدما ثبّتت مقاومته قوة الردع وتوازن الرعب، بتأكيدها أن كل المراكز العسكرية والمرافق الحيوية الصهيونية تحت مرمى نيرانها وما حصل مؤخرا في قاعدتيّ “ميرون” و”دادو” أكبر دليل على فشل كل منظومات الدفاع الجوي لديه.
رابعا: هزيمة إسرائيل في البحر الأحمر بفشلها في الدفاع عن مصالحها التجارية، وركونها الى الشلل الكامل في مرافئها بفعل إستهداف الحوثيين لكل سفينة ترتبط بإسرائيل أو على علاقة بها، وإستعانتها بأميركا وبريطانيا لإستهداف المراكز الحوثية بغارات جوية إعتاد الحوثيون على أمثالها وبالتالي فإن هذا الاستهداف لن يثنيهم عن إكمال مهماتهم العسكرية في البحر الأحمر.
خامسا: خسارة إسرائيل بتبدل الموقف العالمي منها سواء على صعيد الدول أو على مستوى الرأي العام بعدما تكشف للجميع حجم الاجرام الذي تمارسه بحق فلسطين حيث عبر الجميع بأن القضاء على حماس لا يكون بقتل المدنيين، في حين إجتاحت التظاهرات الغاضبة كل شوارع وساحات مدن العالم من أجل الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها.
سادسا: خسارة إسرائيل بفقدانها دورها كقاعدة عسكرية متقدمة للغرب في الشرق الأوسط وتحولها الى عبء على حلفائها، وسقوط مقولة “الجيش الذي لا يقهر”.
سابعا: خسارة إسرائيل بمضبطة الإتهام التي وجهتها إليها جنوب أفريقيا وبإقتيادها الى محكمة العدل الدولية في لاهاي لأول مرة، ويفترض بمزيد من الدعاوى أن ترفع بعد وقف إطلاق النار.
ثامنا: خسارة إسرائيل التطبيع الذي كانت تسعى إليه مع الدول العربية والذي توقف قصدا أو خجلا بالتزامن مع الجرائم التي إرتكبتها بحق أهالي غزة والتي أعادت إحياء القضية الفلسطينية في نفوس البشرية جمعاء.
تاسعا: خسارة إسرائيل أمام أميركا والدول الداعمة لها لعدم قدرتها على تحقيق أي إنجاز يمكن البناء عليه للذهاب الى المفاوضات، ما يضطر هؤلاء الى إطالة أمد الحرب علها تتمكن من حفظ ماء وجهها.
عاشرا: خسارة إسرائيل على المستوى الداخلي، بفقدان ثقة المجتمع الاسرائيلي بالمنظومتين العسكرية والأمنية، والخلافات والانقسامات التي وصلت الى قلب مجلس الحرب، والتظاهرات المطالبة بإستعادة الأسرى، وبإسقاط نتيناهو، ما يضع إسرائيل على فوهة بركان سوف ينفجر حتما مع إتخاذ قرار وقف الحرب.
يمكن القول، إن ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه في المئة يوم لن تستطيع تحقيقه مهما طالت أمد الحروب التي تخوضها، وربما يقول البعض أن خسائر كبرى لحقت بالمقاومة الفلسطينية وفي غزة التي لم يعد فيها حجر على حجر، لكن هذه الخسائر قابلة للتعويض ففلسطين ولّادة الأبطال، والاعمار سيأتي حتما، وستنهض غزة من تحت الدمار، أما هزائم وخسائر إسرائيل فليس لها سوى طريق واحد وهو “بداية النهاية”!..
Related Posts