شاع منذ بدء الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية قبل أكثر من 11 شهراً، في 30 تشرين الأول من العام الماضي، أنّ الجهود والمساعي والإتصالات واللقاءات التي تجري والمبادرات التي تُطرح لإنهاء هذا الفراغ وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ليست سوى محاولات من أجل ملء الوقت الضائع بانتظار أن يحين أوان التسوية التي لم تنضج بعد، لا داخلياً ولا خارجياً.
تعبير “الوقت الضائع” يعرفه اللبنانيون جيداً، وحفظوه عن ظهر قلب، خصوصاً إبّان الأزمات العديدة التي عايشوها، إذ لم يكونوا يخرجون من أزمة إلّا ويدخلون في أخرى، ما جعل هذا التعبير يرافقهم كظلّهم، ويلازمهم، حتى بات “الوقت الضائع” في حياتهم أكثر عمراً من “الوقت الحقيقي” الذي عاشوه في بلدهم.
أكثر من مبادرة جرى تقديمها خلال هذه الفترة، وأكثر من موفد عربي ودولي جاء إلى لبنان محاولاً إيجاد ثغرة في جدار الجمود المرتفع، من الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان، إلى الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني، فضلاً عن مبادرة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، إلّا أنّ جميع هذه المبادرات والمساعي أصيبت بالفشل نتيجة رفض فرقاء لبنانيين لها، وعدم حماسة فرقاء خارجيين لها، خصوصاً المؤثّرين في الملف اللبناني، لأن أوان الحلّ لم يحن بعد.
خلال هذا “الوقت الضائع” الذي كان المبادرون يسعون فيه إلى إبقاء الوضع في البلاد تحت السيطرة، سياسياً وأمنياً وإقتصادياً ومعيشياً، خشية إنفلاته، بالتزامن مع إقفال أبواب الحلّ في الداخل والخارج، كانت الأزمات تكبر يومياً وتتدحرج مثل كرة الثلج، وسط مخاوف أن ينفجر الوضع برمته إذا طال أمد الأزمة أكثر من ذلك أو بقيت تراوح مكانها.
سياسياً، توسّعت رقعة الفراغ من موقع رئاسة الجمهورية إلى حاكمية مصرف لبنان وهي تهدّد منصب قائد الجيش مطلع العام المقبل؛ وأمنياً جاءت الإشتباكات في مخيم عين الحلوة عدا عن الإشكالات اليومية التي تشهدها مختلف المناطق لتنذر بأنّ البلد يقف على فوهة برميل بارود مستعد للإنفجار في أيّ لحظة؛ وإقتصادياً إستمر الوضع الإقتصادي في التدهور من غير أن يلوح في الأفق أيّ أمل بالإنقاذ، وسط توقعات سوداوية لما ينتظر لبنان في الأشهر المقبلة إذا استمر الوضع على ما هو عليه؛ ومعيشياً، لأنّ أعداد الفقراء في تزايد بعدما بات ما لا يقل عن 80 في المئة من اللبنانيين، وفق إحصاءات رسمية وغير رسمية، يعيشون تحت خط الفقر، زاد منها حدّة تفاقم أزمة النّازحين في لبنان.
كلّ ذلك يدفع للتساؤل: هل يستمر هذا “الوقت الضائع” في الحياة طويلاً، ومتى ينتهي وكيف، وهل أنّه سينتهي على البارد أم على السّاخن كما جرت العادة، وما هي الأثمان التي سيدفعها لبنان بعد إقفال صفحة هذا “الوقت الضائع”؟
Related Posts